فى ذكر اصحاب مراتب الولاية الذين يحصرهم عدد

فى ذكر اصحاب مراتب الولاية الذين يحصرهم عدد
( فمنهم y الأقطاب ) وهم الجامعون للأحوال والمقامات بالأصالة أو بالنيابة، وقد يتسعون فىهذا الاطلاق فيسمون قطبا كل من دار عليه مقام ما من المقامات وانفرد به فى زمانه على أبناء جنسه. وقد يسمى رجل البلد قطب ذلك البلد، وشيخ الجماعة ولكن الألقاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الاسم مطلقا من غير اضافة لا يكون منهم فى الزمان الا واحدا وهو الغوث أيضا وهو من المقربين وهو سيد الجماعة فى زمانه، ومنهم من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام، كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى والحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والمتوكل، منهم من حاز الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له فى الظاهر كأحمد بن هارون الرشيد السنتى وكأبى يزيد البسطافى، وأكثر الأقطاب لا حكم لهم فى الظاهر.
( ومنهم y الأئمة ) لا يزيدون فى كل زمان على اثنين لا ثالث لهما. الواحد عبد الرب، والآخر عبد الملك، والقطب عبد الله ولو كانت أسمائهم ما كانت، وهما اللذان يخلفان القطب اذا مات، وهما له بمنزلة الوزيرين، الواحد منهم مقصور على مشاهدة عالم الملكوت والآخر عالم الملك.
( ومنهم y الأوساد ) وهم الأربعة فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون. رأينا شخصا منهم بمدينة فاس يقال له ابن جعدون ( كان ينخل الحناء بالاجرة ). الواحد منهم يحفظ الله به المشرق وولايته فيه، والآخر فى المغرب، والآخر فى الجنوب والآخر فى الشمال والتقسيم من الكعبة، وقد يكون منهم النساء، وكذلك غيرهم، وألقابهم عبد الحى، وعبد العليم، وعبد القادر، وعبد المريد.
( ومنهم y الأبدال ) وهم سبعة، لا يزيدون ولا ينقصون، يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، لكل بدل منهم اقليم فيه ولاية، الواحد منهم على قدم الخليل وله الاقليم الاول، والثانى على قدم الكليم، والثالث على قدم هارون، والرابع على قدم ادريس، والخامس على قدم يوسف، والسادس على قدم عيسى، والسابع على قدم آدم على الكل الصلاة والسلام. وسموا أبدالا لكونهم اذا فارقوا موضعا ويريدون أن يخلفوا به بدلا منهم فى ذلك الموضع لأمر يرون فيه مصلحة وقربه يتركون به شخصا على صورتهم، لا يشك أحدا ممن أدرك رؤية ذلك الشخص أنه عين ذلك الرجل، وليس هو بل هو شخص روحانى يتركه بدله بالقصد على علم منه، فكل من له هذه القوة فهو البدل، ومن يقيم الله عنه بدلا فى موضع ما ولا علم له بالذات فليس من الأبدال المذكورين، وقد يتفق ذلك كثيرا عايناه ورأيناه، ورأينا هؤلاء السبعة الأبدال بمكة، لقيناهم خلف حطيم الحنابلة، وهناك اجتمعنا بهم فما رأيت أحدا أحسن سمة منهم، وكنا قد رأينا منهم موسى البيدرانى بأشبيلية سنة .586 وصل الينا بالقصد واجتمع بنا، ورأينا منهم شيخ الجبال محمد بن أشرف الرندى ولقى منهم صاحبنا عبد المجيد بن سلمه شخصا اسمه معاذ بن أشرص كان من كبارهم، وبلغنى سلامه علينا، سأله عبد المجيد هذا من الأبدال بماذا كانت لهم هذه المنزلة ؟ فقال بالأربعة التى ذكرها أبو طالب المكى، يعنى : الجوع والسهر والصمت والعزلة.
( ومنهم y النقباء ) وهم أثنا عشر نقيبا فى كل مكان وزمان لا يزيدون ولا ينقصون على عدد بروج الفلك الاثنى عشر برجا كل نقيب عالم بخاصية برج. واعلم أن الله تعالى قد جعل بأيدى هؤلاء النقباء علوم الشرائع المنزلة ولهم استخراج خبايا النفوس وغوائلها ومعرفة مكرها وخداعها. وأما ابليس فمتشوف عندهم يعرفون منه ما لا يعرفه من نفسه. وهو من العلم بحيث اذا رأى أحدهم أثر وطأة شخص فى الأرض علم أنها وطأة سعيد أو شقى، مثل العلماء بالأثار والقيافة وبالديار المصرية منهم كثير يخرجون الأثر فى الصخور واذا رأوا شخصا يقولون هذا الشخص هو صاحب ذلك الأثر ويكون كذلك. وليسوا بأولياء الله تعالى فما ظنك بما يعطيه الله لهؤلاء النقباء من علوم الآثار.
( ومنهم y النجباء ) وهم ثمانية فى كل زمان، لا يزيدون ولا ينقصون وهم الذين تبدو منهم وعليهم أعلام القبول من أحوالهم وان لم يكن لهم فى ذلك اختيار لكن الحال يقلب عليهم ولا يعرف ذلك منهم الا من هو فوقهم لا من هو دونهم.
( ومنهم y الحواريون ) وهو واحد فى كل زمان لا يكون فيه اثنان ( فاذا مات ذلك الواحد أقيم غيره ) وكان فى زمن رسول الله e، العيبير بن العوام هو كان صاحب هذا المقام، مع كثرة أنصار الدين بالسيف والحوارى من جمع فى نصرة الدين بين السيف والحجة، فأعطى العلم والعبادة والحجة وأعطى السيف والشجاعة والاقدام، ومقامه التحرى فى اقامة الحجة على صحة الدين المشروع.
( ومنهم y الرجبيون ) وهم أربعة نفسا فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، وهم رجال حالهم القيام بعظمة الله وهم من الأفراد وسموا رجبيين لأن حال هذا المقام لا يكون لهم الا فى شهر رجب من أول استهلال هلاله الى يوم انفصاله، ثم يفقدون ذلك الحال من أنفسهم فلا يجدونه الا دعيب رجب من السنة الآتية، وقليل من يعرفهم من أهل هذا الطريق، وهم متفرقون فى البلاد، ويعرف بعضهم بعضا، منهم من يكون باليمن والشام وبديار بكر. قال سيدى محى الدين : لقيت واحدا منهم بدنسير بديار بكر ما رأيت منهم غيره، وكنت بالأشواق الى رؤيتهم. ومنهم من يبقى عليه فى سائر السنة أمرا ما مما كان يكاشف به فى حالة رجب. ومنهم من لا يبقى عليه شئ من ذلك، وكان هذا الذى رأيته قد أبقى عليه كشف الروافض من أهل الشيعة سائر السنة، فكان يراهم خنازير، فيأتى الرجل المستور الذى لا يعرف منه هذا فيقول له ( تب الى الله أنك شيعى رافضى ) فيبقى الآخر متعجبا من ذلك، فان تاب وصدق فى توبته رآه انسانا. وان قال له بلسانه تبت وهو يضمر مذهبه لايزال يراه خنزيرا، فيقول له كذبت فى قولك تبت، واذا صدق يقول له صدقت، فيعرف ذلك الرجل صدقه فى كشفه فيرجع عن مذهبه ذلك الرافضى، ولقد جرى له مثل هذا مع رجلين عاقلين من أهل العدالة من الشافعية ما عرف فيهما قط التشيع ولم يكونا من بيت التشيع غير أنهما أداهما اليه نظرهما وكانا متملكين من عقولهما، فلم يظهر ذلك وأصر عليه بينهما وبين الله فكانا يعتقدان السوء فى أبوبكر وعمر ويتغاليان فى على تغالى الشيعة، فلما مرا به ودخلا عليه أمر باخراجهما من عنده، فان الله قد كشف له عن بواطنهما فى صورة خنازير وهى العلامة التى جعلها الله له فى أهل هذا المذهب وكانا قد علما من نفوسهما أن أحدا من أهل الأرض ما أطلع على حالهما، وكانا شاهدين عدلين مشهورين بالسنة فقالا له فى ذلك فقال : أراكما خنزيرين، وهى علامة بينى وبين الله فيمن كان مذهبه هذا، فأضمرا التوبة فى نفوسهما، فقال لهما : انكما الآن قد رجعتما عن ذلك المذهب، فانى أراكما انسانين ــ فتعجبا من ذلك وتابا الى الله تعالى.
وهؤلاء الرجبيون أول يوم يكون فى رجب يجدون كأنما أطبقت عليهم السماء فيجدون من الثقل بحيث لا يقدرون على أن يطوفوا ولا تتحرك فيهم جارحة، ويضطجعون فلا يقدرون على حركة أصلا، ولا قيام ولا قعود ولا حركة يد ولا رجل ولا جفن عين، يبقى ذلك عليهم أول يوم، ثم يخف فى ثانى يوم قليلا، وفى ثالث يوم أقل وتقع لهم الكشوفات والتجليات والاطلاع على المغيبات، ولايزال مضطجعا مسجى ثم يتكلم بعد الثلاث أو اليومين، فيتكلم معه فيقول :
1) فيقال له الى أن يكمل الشهر، فاذا فرغ الشهر ودخل شعبان قام كأنما نشط من عقال، فان كان صاحب صناعة أو تجارة اشتغل بشغله وسلب عنه جميع حاله كله الا ما يشاء الله أن يبقى عليه من ذلك شيئا ــ هذا حالهم وهو حال غريب، مجهول السبب والذى اجتمعت به منهم كان فى شهر رجب وكان فى هذه الحالة.
2) ( ومنهم y ثلثمائة نقش على قلب آدم عليه السلام ) فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، وأعلم أن معنى قول النبى e فى حق هؤلاء الثلثمائة ( أنهم على قلب آدم ) وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام فى غير هؤلاء. فمن هو على قلب شخص من أكابر البشر أول الملائكة، انما معناه أنهم يتقلبون فى المعارف الالاهية تقلب ذلك الشخص اذا كانت واردات العلوم الالهية انما ترد على القلوب، فكل علم يرد على قلب ذلك الكبير من ملك أو رسول فانه يرد على هذه القلوب التى هى على قلبه، وربما يقول بعضهم فلان على قدم فلان، وهو بهذا المعنى نفسه، وقد أخبر رسول الله e لا عن هؤلاء الثلثمائة أنهم على قلب آدم.
قال سيدى محى الدين : وما ذكر رسول الله e انهم الثلثمائة فى أمته فقط، أو هم فى كل زمان وما علمنا أنهم فى كل زمان الا من طريق الكشف، وان الزمان لا يخلو من هذا العدد ولكل واحد من هؤلاء الثلثمائة من الاخلاق الالهية ثلثمائة خلق إلهى، من تخلق بواحد منها حصلت له السعادة وهؤلاء هم المجتبون المصطفون ويستحيون من الدعاء ما ذكره الله سبحانه وتعالى فى كتابه ] ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [.
3) ( ومنهم y أربعون على قلب نوح عليه السلام ) فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، هكذا ورد الخبر عن رسول الله e فى هذه الطبقة، ان فى أمته أربعين على قلب نوح عليه السلام وهو أول الرسل والرجال الذين هم على قلبه صفتهم القبض ودعاؤهم دعاء نوح ] رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات، ولا تزد الظالمين الا تبارا [ ومقام هؤلاء الرجال مقام الغيرة الدينية وهو مقام صعب المرتقى، وكل ما تفرق فى هؤلاء الأربعين اجتمع فى نوح، كما أنه كلما تفرق فى الثلثمائة اجتمع فى آدم وعلى معارج هؤلاء الأربعين عملت الطائفة الأربعينيات فى خلواتهم لم يزيدوا على ذلك شيئا وهى خلوات الفتح عندهم، ويجتمعون على ذلك بالخبر المروى عن رسول الله e ( من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ).
( ومنهم سبعة y على قلب الخليل عليه السلام ) لا يزيدون ولا ينقصون فى كل زمان، ورد به الخبر المروى عن رسول الله e ودعاؤهم دعاء الخليل ] رب هب لى حكما والحقنى بالصالحين [ ومقامهم مقام السلامة من جميع الريب والشكوك، وقد نزع الله عنهم الغل من صدورهم فى هذه الدنيا وسلم الناس من سوء ظنهم، اذ ليس لهم سوء الظن، بل ما لهم ظن، فانهم أهل علم صحيح فانما الظن يقع مما لا علم له فيحاط علمه له بضرب من الترجيح، فلا يعلمون من الناس الا ما هم عليه الناس من الخير، وقد أسبل الله بينهم وبين الشرور التى هم عليها الناس حجبا. قال سيدى محى الدين : وقد لقيتهم يوما مارأيت أحسن سمتا منهم علما وحلما ] اخوان (1) على سرر متقابلين [ وقد عجلت لهم جناتهم المعنوية الروحانية فى قلوبهم.
( ومنهم y خمسة على قلب جبريل عليه السلام ) لا يزيدون ولا ينقصون فى كل زمان ورد بذلك الخبر المروى عن النبى e ( هم ملوك أهل هذه الطريقة ) لهم من العلوم على عدد ما لجبريل من القوى المعبر عنها بالأجنحة التى بها يصعد وينزل ولا يجاوز علم هؤلاء الخمسة علم جبريل وهو أن لهم من الغيب ومعه يقفون يوم القيامة فى المحشر.
( ومنهم y ثلاثة على قلب ميكائيل عليه السلام ) لا يزيدون ولا ينقصون فى كل زمان لهم الخير المحض والعطف والرحمة والحنان والغالب على هؤلاء الثلاثة البسط والتبسم ولين الجانب والشفقة المفرطة ومشاهدة ما يوجب الشفقة ولهم من العلوم على قدر ما لميكائيل من قوى.
( ومنهم y واحد على قلب اسرافيل عليه السلام ) فى كل زمان وله الأمر ونقيضه جامع للطرفين ورد بذلك الخبر المروى عن رسول الله e فيمن له علم اسرافيل ــ وكان أبو يزيد البسطامى ممن كان على قلب اسرافيل وله من الأنبياء عيسى عليه السلام فمن كان على قلب عيسى فهو على قلب اسرافيل ومن كان على قلب اسرافيل قد لا يكون على قلب عيسى. قال سيدى محى الدين : وكان بعض شيوخنا على قلب عيسى وكان من الأكابر.
( وأما رجال عالم الأنفاس y ) فأنا أذكرهم وهم على قلب داوود عليه السلام ) لا يزيدون ولا ينقصون فى كل زمان دائما
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الحجر.
نسبناهم الى قلب داؤود وقد كانوا موجودين قبل ذلك بهذه الصفة ــ فالمراد بذلك أنه ما تفرق من الأحوال والعلوم والمراتب اجتمع فى داؤود ولقيت هؤلاء العالم كلهم ولازمتهم. وهم على مراتب لا يتعدونها بعدد مخصوص لا يزيدون ولا ينقصون. وأنا أذكرهم انشاء الله تعالى.
( ومنهم y رجال الغيب ) وهم عشرة لا يزيدون ولا ينقصون هم أهل خشوع فلا يتكلمون الا همسا لخلية تجلى الرحمن عليهم دائما فى أحوالهم. قال تعالى ] وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا [ وهؤلاء المستورون الذين لا يعرفون، خبأهم الحق فى أرضه وسمائه فلا يناجون سواه ولا يشهدون غيره ] ويمشون على الأرض هونا، واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [ دأبهم الحياة اذا سمعوا أحدا يرفع صوته فى كلامه تراعد فرائصهم ويتعجبون، واعلم أن لفظ رجال الغيب فى اصطلاح أهل الله يطلقونه ويريدون به هؤلاء الذين ذكرناهم وهى هذه الطبقة وقد يطلقونه ويريدونه به من يحتجب عن الأبصار من الأنس، وقد يطلقونه أيضا ويريدون به رجالا من الجن صالحين مؤمنين. وقد يطلقونه أيضا على القوم الذين لا يأخذون شيئا من العلم والرزق المحسوس من الحسن ولكن يأخذونه من الغيب.
( ومنهم y ثمانية عشر نفسا أيضا، هم الظاهرون بأمر الله عن أمر الله ) لا يزيدون ولا ينقصون فى كل زمان، ظهروهم بالله قائمون بحقوق الله ). ( مثبتون بالأسباب الواردة ) لهم عادة، آيتهم ] قل الله ثم ذرهم [ وأيضا انى دعوتكم جهارا، كان منهم شيخنا أبو مدين رحمة الله تعالى كان يقول لأصحابه : أظهروا للناس ما عندكم من الموافقة كما يظهر الناس بالمخالفة، وأظهروا ما أعطاكم الله من نعمة الظاهرة يعنى خرق العوائد والباطنة يعنى المعارف فان الله يقول ] وأما بنعمة ربك فحدث [ وقال عليه الصلاة والسلام ( التحدث بالنعمة شكر ).
( ومنهم y ثمانية رجال يقال لهم رجال القوة الالهية ) آيتهم من كتاب الله ] أشداء على الكفار [ لهم من الأسماء الالهية ( ذو القوة المتين ) لا تأخذهم فى الله لومة لائم، وقد يسمون رجال القهر، لهم همم فعالة فى النفوس وبهذا يعرفون. كان بمدينة فارس منهم رجلا واحدا يقال له أبو عبد الله الدقاق، كان يقول ( ما اغتبت أحدا قط، ولا اغتيب بحضرتى أحد قط ). قال سيدى محى الدين ولقيت أنا منهم ببلاد الأندلس جماعة ولقيت لهم أثر عجيب ومعنى غريب وكان بعض شيوخى منهم.
( ومن نمط هؤلاء y خمسة رجال ) فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون هم على قدم هؤلاء الثمانية فى القوة غير أن فيهم لينا ليس فى الثمانية وهم على قدم الرسل فى هذا المقام، آيتهم قوله تعالى ] فقولا له قولا لينا [ وقوله تعالى ] فبما رحمة من الله لنت لهم [ فهم مع قوتهم لهم لين فى بعض المواطن. أما فى العزائم فهم على قوة الثمانية على السواء ويزيدون عليهم بما ذكرناه مما ليس للثمانية. قال سيدى محى الدين t وقد لقينا منهم y وانتفعنا بهم.
( ومنهم y خمسة عشر نفسا ) هم رجل الحنان والعطف الالهى ) آيتهم آية الريح السليمانية ] تجرى بأمره رخاء حيث أصاب [ لهم شفقة على عباد الله مؤمنهم وكافرهم، ينظرون الخلق بعين الجود والوجود، لا بعين الحكم والقضاء، لا يولى الله قط منهم أحدا ولاية ظاهرة من قضاء أو ملك لأن ذوقهم ومقامهم لا يحتمل القيام بأمر الخلق فهم مع الخلق فى الرحمة المطلقة التى قال الله تعالى فيها ] ورحمتى وسعت كل شئ [ ولقيت منهم جماعة وماشيتهم على هذا القدم.
( ومنهم y أربعة أنفس فى كل زمان ) لا يزيدون ولا ينقصون، آيتهم من كتاب الله ] الله الذى خلق سبع سموات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت [ هم رجال الهيبة والجلال.
كأنما الطير منهم فوق رؤسهم لا خوف ظلم ولكن خوف اجلال وهم الذين يمدون الأوتاد. الغالب على أحوالهم الوحانية، قلوبهم سماوية، مجهولون فى الأرض، معروفون فى السماء. أحدهم على قلب محمد e، والآخر على قلب شعيب عليه السلام، والثالث على قلب صالح عليه السلام، والرابع على قلب هود عليه السلام. ينظر الى أحدهم من الملأ الأعلى عزرائيل، والى الآخر جبريل. والى الآخر ميكائيل. والى الآخر اسرافيل. شأنهم عجيب وأمرهم غريب. قال سيدى محى الدين ما لقيت فيمن لقيت مثلهم، لقيتهم بدمشق فعرفت أنهم هم وقد كنت رأيتهم ببلاد الأندلس واجتمعوا بى ولكن لم أكن أعلم أن لهم هذا المقام، بل كانوا عندى من جملة عباد الله، فشكرت الله على أن عرفنى بمقامهم وأطلعنى على حالهم.
( ومنهم y أربعة وعشرون نفسا فى كل زمان يسمون رجال الفتح ) لا يزيدون ولا ينقصون، بهم يفتح الله على قلوب أهل الله ما يفتحه من المعارف والأسرار جعلهم الله على عدد الساعات، لكل ساعة رجل منهم، فكل من يفتح عليه فى شئ من العلوم والمعارف فى أى ساعة كانت من ليل أو نهار فهو لرجل تلك الساعة، وهم متفرقون فى الأرض لا يجتمعون أبدا، كل شخص منهم لازم مكانه لا يبرح أبدا، فمنهم باليمن اثنان، ومنهم ببلاد الشرق أربعة، ومنهم بالمغرب ستة، والباقى بسائر الجهات. آيتهم من كتاب الله ] ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها [.
( ومنهم y سبعة أنفس فى كل زمان ) لا يزيدون ولا ينقصون رجال المعارج العلا، لهم فى كل نفس معراج، وهم أعلى عالم الأنفاس، أى الأولياء أصحاب المراتب، آيتهم من كتاب الله تعالى ] وأنتم الأعلون والله معكم [ يتخيل بعض الناس من أهل الطريق، أنهم الأبدال لما يرى أنهم سبعة كما يتخيل بعض الناس فى الرجبيين. انهم الأبدال لكونهم أربعين عندما يقول أن الأبدال أربعون نفسا. ومنهم من يقول سبعة أنفس. وسبب ذلك أنهم لم يقع لهم التعريف من الله بذلك، ولا بعدد ما، ولله فى العالم فى كل زمان من الرجال المصطفين، الذين يحفظ الله بهم العالم فيسمعون أن ثم رجالا عددهم كذا، كما أن أيضا مراتب محفوظة لا عدد لأصحابها معين فى كل زمان ــ بل يزيدون وينقصون كالأفراد، ورجال الماء، والأحياء، والأخلاء، وأهل الله، والمحدثين والسمراء، والأصفياء، وهم المصطفون، فكل مرتبة من هذه المراتب محفوظة برجال فى كل زمان، غير أنهم لا يتقيدون بعدد مخصوص مثل من ذكرناهم.
( ومنهم y أحد وعشرون نفسا وهم رجال التحت الأسفل ) وهم أهل النفس الذى يتلقونه من الله لا معرفة لهم بالنفس الخارج عنهم، وهم على هذا العدد فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، آيتهم من كتاب الله تعالى ] ثم رددناه أسفل سافلين [ يريد تعالى عالم الطبيعة اذا لا أسفل منه، رده اليه ليحيا به فان الطبع ميت بالأصالة فأحياه بهذا النفس الرحمانى الذى رده وهؤلاء الرجال لا نظر لهم الا فيما يرد من عند الله مع الأنفاس فهم أهل حضور على الدوام.
( ومنهم y ثلاثة أنفس ) وهم رجال الأمداد الالهى والكونى فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون فهم يستمدون من الحق ويمدون الحق ولكن بلطف ولين ورحمة لا بعنف ولا شدة، ولا قهر يقبلون على الله بالاستفادة. ويقبلون على الخلق بالافادة. فيهم رجال ونساء قد أهلهم الله لسعى فى حوائج الناس وقضائها عند الله لا عند غيرها وهم ثلاثة قال سيدى محى الدين لقيت واحدا منهم بأشبيلية وهو من أكبر من لقيته ويقال له موسى بن عمران، سيد وقته كان أحد الثلاثة لم يسأل أحدا حاجة من خلق الله. وقد ورد فى الخبر أن النبى e قال ( من تقبل لى بواحدة تقبلت له بالجنة أن لا يسأل أحدا شيئا ). وصفة هؤلاء اذا أفادوا الخلق ترى فيهم من اللطف وحسن التأنى حتى يظن أنهم هم الذين يستفيدون من الخلق. وان الخلق هم الذين لهم اليد عليهم ما رأيت أحسن منهم فى معاملة الناس.
( ومنهم y ثلاثة أنفس آلهيون رحمانيون فى كل زمان ) لا يزيدون ولا ينقصون، يشبهون الأبدال فى بعض الأحوال وليسوا بابدال آيتهم من كتاب الله ] وما كان صلاتهم عند البيت الا مكاء وتصدية [ لهم اعتقاد عجيب فى كلام الله بين الاعتقاديين. هم أهل وحى إلهى لا يسمعونه أبدا الا عيبلسلة على صفوان، لا غير ذلك، ومثل صلصلة الجرس هذا هو مقام هؤلاء القوم.
( ومنهم y رجل واحد وقد تكون امرأة فى كل زمان، آيته ] وهو القاهر فوق عباده [ له الاستطالة على كل شئ سوى الله شهم شجاع مقدام كثير الدعوى بحق يقول حقا ويحكم عدلا. قال سيدى محى الدين كان صاحب هذا المقام شيخنا عبد القادر الجيلى ببغداد كانت له الصولة والاستطالة بحق على الخلق كان كبير الشأن أخباره مشهورة لم ألقه ولكنى لقيت صاحب زماننا فى هذا المقام، ولكن كان عبد القادر أتم فى أمور أخرى من هذا الشخص الذى لقيته، وقد درج الآخر ولا علم لى بمن ولىَّ بعده هذا المقام الى الآن.
( ومنهم y رجل واحد مركب ممتزح فى كل زمان ) لا يوجد غيره فى مقامه وهو يشبه عيسى عليه السلام متولد بين الروح والبشر ولا يعلم له أب بشرى كما يحكى عن بلقيس أنها تولدت بين الجن والانس فهو مركب من جنسين مختلفين، وهو رجل البرزخ به يحفظ الله تعالى عالم البرزخ دائما فلا يخلو كل زمان عن واحد مثل هذا الرجل يكون مولده على هذه الصفة فهو مخلوق من ماء امرأة خلافا لما ذكره أهل الطبائع أنه لا يتكون من ماء المرأة ولد، بل الله على كل شئ قدير.
( ومنهم y رجل واحد قد يكون امرأة له دقائق ممتدة الى جميع العالم وهو شخص غريب المقام لا يوجد منه فى كل زمان الا واحدا يلتبس على بعض أهل الطريق ممن يعرفه بحالة القطب، فيتخيل أنه القطب وليس بالقطب.
( ومنهم y رجل واحد يسمى بمقامة سقيط الرفرف ابن ساقط العرش ) قال سيدى محى الدين : لقيته بقونية آيته من كتاب الله ] والنجم اذا هوى [ حالة لا يتعداه شغله بنفسه وبربه، كبير الشأن عظيم الحال، رؤيته مؤثرة فى حال من يراه، فيه انكسار، هكذا شاهدته صاحب انعيبار، أعجبتنى صفته له لسان فى المعارف شديد الحياء.
( ومنهم y رجلان يقال لهم رجال الغنى بالله ) فى كل زمان من عالم النفس : أى الأولياء ) أصحاب المراتب كما تقدم، آيتهما من كتاب الله ] والله غنى عن العالمين [ يحفظ الله بهما هذا المقام، للواحد منهما امداد عالم الشهادة فكل غنى فى عالم الشهادة فمن هذا الرجل، وللآخر منهما امداد عالم الملكوت فكل غنى بالله فى عالم الملكوت فمن هذا الرجل، والذى يستمدان منه هذان الرجلان روح علوى متحقق بالحق غناه الله ما هو تمناه بالله، فان أضفته اليهما فرجال الغنى ثلاثة وان نظرت الى بشريتهما، فرجال الغنى اثنان، وقد يكون منهم النساء فغنى بالنفس وغنى بالله، قال سيدى محى الدين : ولنا جزء لطيف فى معرفة هؤلاء الرجال الثلاثة y.
( ومنهم y شخص واحد يتقرر بقلبه فى كل نفس ) لا ترى فى الرجال أعجب منه حالا، وليس فى أهل المعرفة بالله أكبر من صاحب هذا المقام، يخشى الله ويتقيه، تحققت منه ورأيته وأفادنى. آيته من كتاب الله ] ليس كمثله شئ وهو السميع البصير [ وقوله تعالى ] ثم رددنا لكم الكرة عليه [ لايزال ترعد فرائصهم من خشية الله هكذا شاهدناه.
( ومنهم y رجال عين التحكيم والزوائد وهم عشرة ) أنفس فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون ) مقامهم اظهار غاية الخصوصية بلسان الانبساط فى الدعاء، وحالهم زيادة الايمان بالغيب واليقين فى تحصيل ذلك الغيب فلا يكون لهم غيب. اذ كل غيب لهم شهادة، وكل حال لهم عبادة، فلا يصير لهم غيب شهادة، الا ويزيدون ايمانا بغيب آخر ويقينا فى تحصيله، آيتهم من كتاب الله تعالى ] وقل ربِّ زدنى علما [ وليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ــ فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون [ بالزيادة وقوله تعالى ] واذا سألك عبادى عنى فانى قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان [.
( ومنهم y اثنى عشر نفسا يقال لهم البدلاء وما هم بالبدلاء ) وهم فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون. مقامهم اظهار غاية الخصوصية بلسان الانبساط فى الدعاء وحالهم زيادة الايمان بالغيب واليقين وسموا بدلاء لأن الواحد منهم لو لم يوجد الباقين، ناب منابهم وقام بما يقوم به جميعهم.
( ومنهم y رجال الاشتياق وهم خمسة أنفس وهم من ملوك طريق أهل الله ) بهم يحفظ الله الوجود العالم آيتهم من كتاب الله تعالى ] حافظوا على الصلوات ــ والصلاة الوسطى [ لا يفترون عن صلاة فى ليل ولا نهار. قال سيدى محى الدين t وكان صالح البربرى معهم لقيته وصحبته الى أن مات وانتفعت به، وكذلك أبو عبد الله المهدى بمدينة فاس صحبته وكان من هؤلاء أيضا.
( ومنهم y ستة أنفس فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون. كان منهم ابن هارون الرشيد أحمد السبتى. قال سيدى محى الدين t : لقيته بالطواف يوم الجمعة يوم الصلاة سنة 599 وهو يطوف بالكعبة، وسألته وأجابنى ونحن بالطواف، وكأن روحه تجسد لى فى الطواف حسا كتجسيد جبريل فى صورة أعرابى ولهم سلطان على الجهات الست التى ظهرت بوجود الانسان. قال t : وأخبرت أن واحدا منهم كان من جملة العوانية من أهل أرذل الروم، أعرف ذلك الشخصية بعينه وصحبته، وكان يعظمنى ويرانى كثير، واجتمعت به فى دمشق وسواس وفى مليطة وفى قيصرية، وخدمنى مدة، وكانت له والدة كان بارا بها، واجتمعت به فى حران فى خدمة والدته، فما رأيت فيمن رأيت من يبر أمه مثله، وكان ذا مال وله سنون فقدته عن دمشق، فما أدرى هل عاش أم مات وبالجملة فما من أمر محصور فى العالم فى عدد ما الا ولله رجال بعدده فى كل زمان يحفظ الله بهم الأمر.