أسس التصوف
التصوف الإسلامي علم جليل الشأن ونحلة عظيمة القدر وثبت بالأدلة القوية أنه إسلامي المنشأ وبذلك أضحى موصلا للسعادة في الدنيا والآخرة وهو الدواء الذي يشفي صاحبه من أمراض النفس والمنهاج الذي يزكي النفس ويصفي الروح وهو مرآة الحياة الروحية الإسلامية التي قوامها التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل لتزكو النفس وتسمو الروح بالاتقداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام ومن أهم مقاصده خمسة أمور سنتولى شرحها وبيانها بإذن الله واحدا إثر واحد:
1- صفاء النفس ومحاسبتها.
2- قصد وجه الله .
3- التمسك بالفقر والافتقار.
4- توطين القلب على الرحمة والمحبة.
5- التجمل بمكارم الأخلاق التي بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لإتمامها.
التفصيل:
1- القاعدة الأولى : (صفاء النفس ومحاسبتها): ومعناها: أن كل من أراد أن يدخل في سبيل المقربين ليعد الجواب لسؤال الحق تعالى فعليه أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله ويزن أعماله قبل أن توزن بقسطاس الآخرة ويصفي نفسه من شوائبها ووساوسها قال سيدنا عمر رضي الله عنه (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا).
2- القاعدة الثانية: (قصد وجه الله ): ومعناها: أن المتصوف لابد أن يقصد وجه ربه في جميع أقواله وأفعاله غاسلا قلبه بماء الإخلاص لوجه الله تعالى قال الله تعالى ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه﴾( [23]) .
وقال عز من قائل : ﴿وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغعاء وجه ربه الأعلى﴾( [24]) .
3- القاعدة الثالثة: (التمسك بالفقر والافتقار): ومعناها الزهد في الدنيا ومتاعها عزوفا بالنفس عما يلهيها ويشغلها فإن التمسك بالفقر دليل التقشف الذي هو الآلة القاطعة حبل الوصال بين العبد والشيطان، فتتأهل النفس بالعبادة الخالصة وعدم العلو والفساد في الأرض لهذه الخصلة التي تصعد بهمم الإنسان نحو الروحانية والبعد عن كدورة الإنسانية أما الافتقار فهو تجرد المرء عن زينة الحياة الدنيا لينقطع إلى تقوى الله تعالى وأنه لا حول ولا طول الا به طالبا منه الكرم بالإمداد والتجليات وذلك هو منتهى الإقرار بالعبودية التي هي مركز التصوف وعقيدة الإيمان. وصفوة القول: أنالفقر أساس التصوف وقوامه وأن التحقق بأحوال التصوف ومقاماته مبني على الفقر والزهد فيما اشتملت عليه الدنيا من زخرف ومتاع، أي أن تكون الدنيا في يده لا في قلبه بمعنى أن يكون أغنى بما عند الله منه بما عنده.
وقد قص علينا السهرودي في كتابه (عوارف المعارف) قصة عن ذي النون المصري رضي الله عنه جديرة بالنر والاهتمام قال ذو النون: (رأيت ببعض سواحل الشام امرأة فقلت لها : من أين أقبلت؟ فقالت: من عند أقوام ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع﴾( [25])، فقلت لها: وأين تريدين ؟ فقالت : إلى ﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله﴾( [26]) .
ألا يجدر بنا أن نمعن النظر في هذين الجوابين لنعلم مدى خلو قلوب القوم عن حظوظ النفس والهوى لنعلم مدى انجذابهم نحو الله تعالى وإيثارهم لما عنده بحيث أصبحت قلوبهم لا تنزع إلى الله متجردين من القيود الجسمانية التي تفسد على الإنسان حياته وتكدر صفاء نفسه وتنسي الإنسان عبوديته لله .
4- القاعدة الرابعة : (توطين القلب على الرحمة والمحبة): ومعناها: أنه يجب على كل صوفي أن يلزم محبة كل المسلمين ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير فإن رسخ في هذه القاعدة واستقام في التدريب عليها أفاض الله عليه أنوار الرحمة وأذاقه حلاوة الرضى وألبسه ثوب القبول فينال مما ورثه النبيون من المحبة والرضى حظا وافرا قال الله تعالى في حق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾( [27]) .
وقال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه (لا تحقر أحدا من المسلمين فإن حقير المسلمين عند الله كبير ).
5- القاعدة الخامسة : (التجمل بالأخلاق التي بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لإتمامها): وهذه القاعدة عيبدة الدين وحقيقة أخق الصوفيين وذلك بأن يكون العبد هينا لينا مع أهل بيته وعشيرته وجميع المسلمين قال الله تعالى ﴿وقولوا للناس حسنا﴾( [28]).
وقد ورد في الأثر : (اهل الجنة كل هين لين سهل قريب وأهل النار كل شديد قبعثري قالوا وما القبعثري؟ قال: الشديد على الأهل والصحاب والعشير) إذ ان الله تعالى يعامل عبده في وصفه وخلقه وفي الحديث القدسي: يا بان آدم مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يارب كيف أطعمل وأنت رب العالمين قال : استطعمك عبد فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين!؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي)( [29]) ذلك هو الحديث القدسي الذي جمع محاسن الأخلاق وجميل الصفات بين الناس وهو القانون الإلهي الذي سلك منهاجه رجال في حياتهم الدنيوية والعملية فمن رسخت قدمه منهم في هذه المقامات صارت أحواله ومعاملاته مع الرب في كل شء فلا يراقب غير الله تعالى في حركاته وسكناته( [30]).