التبرك بآثار الصالحين
ان فى ليلة الاسراء لكبير دلالة على التبرك بآثار الصالحين حيث قال عز وجل ] سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير [ وبين لنا صاحب السنة المطهرة ما كان من الاسراء الذى منه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نزل فصلى بأرض هجرته وفى المكان الذى سيدفن. ثم نزل عند الشجرة التى كانت سببا فى بدء رسالة موسى. ثم نزل على طور سيناء الذى كلم الله تعالى فيه عيسى عليه السلام وكان فى كل منزل يصلى فيه صلى الله تعالى عليه فيه ركعتين وهكذا حتى تم الاسراء فى جميع بقاع الأرض والأمور التى عاين فيها كل ما يجب على كل مسلم العمل به والنهى عنه. وما حصل بالاجماع العام الذى جمع الله تعالى له فيه جميع الانبياء المرسلين. وما حصل فى المعراج من انتظار المرسلين لحضرته صلى الله تعالى عليه وسلم فى كل سماء وما دار بينهم من الكلام الذى بينه فى السنة فى ذلك من خوارق العادات والكل كانوا أمواتا وما حصل من جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى من قوله الى هنا آخر مقامى يا محمد وهو ملك مخلوق من نور وما حصل لحضرته وهو صلى الله عليه تعالى وسلم بشر وقد أجازه الله تعالى الى ما فوق العرش حتى قال العارف بذلك :
بين عمران شرفت سيناء وبادريس والمسيح السماء
ولك العرش موطئ ووطاء كيف ترقى رقيك الانبياء
يا سماء ماطاولتها سماء
فكان يكفى هذا فى بيان التبرك بآثار الصالحين وان السنة المطهرة لملأى من بياناته الشريفة صلى الله تعالى عليه وسلم التى منها ماء وضؤه صلى الله تعالى عليم وسلم.
ثم تقبيل يديه صلى الله تعالى عليه وسلم الذى صار سنة لعباد الله الصالحين بالتبرك بهم من بعد حضرته صلى الله تعالى عليه وسلم بالصحابة مع حضرته وهكذا كان أمر التابعين ومن تبعهم الى يوم الدين، والسنة مليئة بالبيان الشريف الصادر عنهم أجمعين وناهيك بما صدر من غير قصد وهو وفد عبد القيس وغيرهم وهاك بيان عبد الله ابن العباسى الذى أمسك عيبمام دابته فقال ما هذا يا بن عباس فقال : أمرنا بأن نفعل مع أشياخنا هكذا فقبل شيخه يده وقال وبهذا أمرنا أن نفعل مع آل بيت نبينا. فتقبيل يد الصالحين سنة من سيد العالمين ولا ينكرها الا الجاهلون المخالفون الخارجون عن اجماع المسلمين. هذا وان الشهاب الخفاجى محشى البيضاوى سأل شيخه فقال ان ناسا ينكرون على من يقبل يد الصالحين فقال :
قبل يد الخيرة أهل التقوى ولا تخف طعن أعاديهم
ريحانة الرحمن عباده وشمها لثم أياديهم
واليك واقعة حال وقعت معى وهى أنى اطلعت على مجلة نداء الشرق وقلت فيها أن الامام أحمد بن حنبل كان يتبرك بآثار شيخه وأجاز تقبيل قبر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. والصالحين والوهابية يدعون أنهم حنابلة وينكرون كل ذلك بل يقولون لمن يفعل ذلك مشرك فرد عليه أحد الوهابية فقال : ان الشيخ عبد ربه رجل عظيم ولكنه سرد كلاما بدون دليل وقال ان الامام أحمد بن حنبل توسل بشيخه الامام الشافعى ولم يذكر لنا فى أى كتاب توسل الامام بشيخه الامام الشافعى وقال فى الرد كلاما فرددت عليه وقلت ما نصه ــ بعد اطلاعنا على مقال الاستاذ عبد الله بن محمد العالم بنجد الذى لم يخرج فيه عن دائرة عقيدة الوهابية فى انكارهم ما عليه خيار الأمة الاسلامية من بيان ما اشتمل عليه صريح الآيات القرآنية التى حادوا عنها وخالفوها فى عقائدهم وهى لم تخرج عن مقال صاحبه امام المسجد الحرام. حذوك النعل بالنعل وقد سبق رددنا عليه فى خمس مقالات ويظهر أنهم اقتنعوا بما ذكرناه لهم فى سابق الأعداد غير انهم لم يصلوا الى معرفة ما توسل به سيدنا أحمد بن حنبل بأشياخه وآثارهم المباركة حتى انهم طلبوا منا الدليل على ذلك. وهاهو الدليل والبيان، قال الحافظ العراقى فى كتابه فتح المتعال : اخبرنى الحافظ أبو سعد بن العلاء قال رأيت فى كلام والدى أحمد بن حنبل فى جزء قديم عليه خط ابن ناصر وغيره من الحفاظ أن الامام أحمد ابن حنبل سئل عن تقبيل قبر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وتقبيل غيره قال لا بأس بذلك، فأريناه الشيخ تقى الدين بن تيمه، فصار يتعجب من ذلك. ويقول ( عجب عندى أحمد جليل، أيقول ذلك ؟ قال وأى عجب فى ذلك وقد روينا عن الامام انه غسل قميصا للشافعى وشرب الماء الذى غسله به. وموجود بخط الحافظ الضياء المقدسى الحنبلى فى كتابه الحكايات المنثورة المحفوظ الآن تحت رقم 98 من المجاميع بظاهرية دمشق انه سمع الحافظ عبد الغنى المقدسى الحنبلى يقول انه خرج فى عضده شئ يشبه الدمل فأعيته مداواته ثم مسح به قبر أحمد بن حنبل فبرئ. ولم يعد اليه. وفى تاريخ الخطيب جزء أول ص 123 يسند الى الشافعى رضى الله تعالى عنه انه قال : انى لأتبرك بأبى حنيفة وأجئ الى قبره كل يوم يعنى زائرا. هذا ابن تيميه الذى جمع لكم من المخالف لاجماع المسلمين والمتلون فى رسائلهم جميعا. يروى عن الامام أحمد أنه تبرك بآثار شيخه الشافعى فكيف تفهمون كلام رب العالمين وسنة رسوله سيد الاولين فيا للعجب والسلام. كان هذا ردى عليهم فلم يستطيعوا بعد ذلك كلاما. ثم أنه ثبت عن سيدى الامام الشافعى أنه فى توسلاته قال :
وبالعلماء العاملين بعلمهم وبالاولياء السالمين من الدعوى
وهاهو المشهود عنه رضى الله تعالى عنه :
أحب الصالحين ولست منهم وعسى بالصالحين أنال الشفاعة
وأكره من تجارته المعاصى ولو كنا سويا فى البضاعة
قال له سيدى أحمد بن حنبل تلميذه رضى الله تعالى عنه :
أنت تحب الصالحين وأنت منهم وعسى بك الصالحون ينال الشفاعة
وحقا تكره من تجارته المعاصى حماك الله من تلك البضاعة
وهذه سنة الله تعالى فى خلقه التى جعل عباده أجمع على المقابلة والمماثلة فالصالحون يحبون الصالحين والمخالفون يحبون المخالفين.
ثم انا قدمنا لك بأن تقبيل قبر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وقبور الصالحين جائز، لا شئ فيه. ونبينه لك من وجهين أولا ــ ان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يقبلون قبر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا أمر سائد عندهم بالفطرة وأظنهم أخذوه من بيانه الشريف صلى الله تعالى عليه وسلم من تقبيله الحجر الأسود لأنه ينسب الى جهة المعبود سبحانه وقس على ذلك قبره صلى الله تعالى عليه وسلم ولذا لما جاءت السيدة فاطمة الزهراء رضى الله تعالى عنها زائرة لقبر أبيها اللهم صل وسلم وبارك عليه وآله قبضت قبضة من التراب الذى على القبر الشريف ثم قالت :
وماذا على من شم تربة أحمد انه لا يشم مدى الزمان غوايا
صبت على مصائب لو أنها صبت على الايام عدن لياليا
ثم قبلت التراب ووضعته وتناولها للتراب ولم تطئطئ أمام الناس ولم ينكر عليها أحد من الصحابة وهاهو سيدنا بلال لما جاء للشام لزيارة معاوية ومكث عنده اثنى عشر يوما فرأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول له ( أوحشتنا يابلال ) فقام من نومه عازما على السفر وحاول الخليفة تأخيره الى الصباح فلم يستطع وجاء الى قبر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وجعل يمرغ خديه على قبر النبى e وبكى ويقول : أوحشتنى يا رسول الله : ويقبل ويبكى فلم ينكر عليه أحد من الصحابة وهذا صار الأمر مستمرا الى يوم القيامة انشاء الله تعالى من المحبين. وثانيا : انه يجب على كل مؤمن أن يعتقد أن الله تعالى خالق المعانى والصور وقد جعل سبحانه وتعالى لكل معنى صورة فى الخارج تدل عليه كما سنبين لك ذلك فى باب الموت والحياة لتعلم أن الموت معنى من المعانى وصورته فى الخارج عدم الحركة فى الحيوان والحياة معنى من المعانى وصورته فى الخارج الحركة كما أنه سبحانه جعل الحب معنى فى القلب وصورته فى الخارج التى تدل عليه أنواع وأقلها القبلة فالذى أتى بالزائر للمزيور انما هو الحب وحبنا فى الولى لا يكون الا لله تعالى لأن الله تعالى يحبه لأنه من آل بيت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وآل البيت حبهم واجب وأجرى سبحانه عليه نعمة الكرامة فحبنا فيه لذلك فنحن نحب الله تعالى فيه، وكما عرفت صورة الحب فكذلك صورة البغض فيجب عليك أيها المعارض المخالف أن تعرف ذلك وتعرف أسرار ربك كيف جعلها على المقابلة والمماثلة وأيضا الايمان الذى محله القلب معنى من المعانى وصورته فى الخارج الاسلام وما اشتمل من الاحكام الشرعية التى يعرف بها ومنها أنه مؤمن ومسلم.
ولنضرب لك مثلا لكى يستنير لك الأمر وهو أن لك طفلا صغير ولبرودة الجو لفته أمه بقميصها فوق ثيابه فرأت أيضا الجو أبرد فلفته بملف أثقل ورأت أن تلفه بأثقل أيضا وجئت سيادتك وناولتك الولد بهذه الحالة وبالطبع أنت تحبه فأردت أن تبرهن على حبك بالصورة الظاهرية وهى القبلة فأى شئ أمامك تقبله ؟ فلا تقبل الا اللحاف الصغير واذا رفعناه فلا تقبل الا الملف الذى تحته وهكذا حتى ثيابه ثم تقبل الجسد وهو المراد بالذات وهو الجسد فهل أنت صنعته ؟ الا هو صنعة الصانع المبدع الذى أحاطه بكرمه ونعمه وكذلك الزائر للولى أو أى نبى من الانبياء والمرسلين فانه يقبل ماهو محيط به لصلته بالمحبوب ولو الحيطان أو الضريح أو القبور فانه يجوز تقبيلها على ما قدمنا لك من الأدلة هذا ويظهر أن مجنون ليلى كان رجلا صالحا على ربك انه سيظهر خوارج معارضين لأهل الحق فانطقه بما يقطع به السنتهم بعد الادلة التى قدمنا حيث قال :
أمر على الديار ديار ليلى اقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبى ولكن حب من سكن الديار