المنحة، فى المسبحة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام عل عباده الذين اصطفى، وبعد فقد طال السؤال عن السبحة، هل لها أصل فى السنة ؟ فجمعت فيها هذا الجزء، متتبعا فيه ما ورد من الأحاديث والآثار، والله المستعان.
أخرج ابن أبى شيبة وأبو داود والترمذى والنسائى والحاكم وصححه عن ابن عمرو قال ــ ( رأيت النبى e يعقد التسبيح بيده ).
وأخرج ابن أبى شيبة وأبو داود والترمذى والحاكم عن بسيره ــ وكانت من المهاجرات ــ قالت ــ قال رسول الله e ( عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، ولا تغفلن فتنسين التوحيد، وأعقدن بالأنامل، فانهن مسئولات ومستنطقات ).
وأخرج الترمذى والحاكم والطبرانى عن صفية قالت ــ ( دخل على رسول الله e وبين يدى أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال ــ ما هذا يا بنت حى ؟ قلت ــ أسبح بهن، قال : قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا، قلت ــ علمنى يا رسول الله، قال : قولى سبحان الله عدد ما خلق من شئ ). صحيح أيضا.
وأخرج أبو داود والترمذى وحسنه والنسائى وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه عن سعد بن أبى وقاص ( أنه دخل مع النبى e على امرأة وبين يديها نوى ــ أو حصى ــ تسبح فقال : أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل ؟ قولى ــ سبحان الله عدد ما خلق فى السماء، سبحان الله عدد ما خلق فى الأرض، سبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، الله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا قوة الا بالله مثل ذلك ).
وفى جزء هلال الحفار ومعجم الصحابة للبغوى وتاريخ ابن عساكر من طريق معتمر بن سليمان عن أبى بن كعب عن جده بقية عن أبى صفيه مولى النبى e أنه كان يوضح له نطع، ويجاء عيبنبيل فيه حصى فيسبح به الى نصف النهار، ثم يرفع، فاذا صلى الأولى أتى به فيسبح به حتى يمسى.
وأخرجه الامام أحمد فى الزهد حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد عن يونس بن عبيد عن أمه قالت ــ رأيت أبا صفية ــ رجل من أصحاب النبى e، وكان جارنا ــ قالت ــ يسبح بالحصى.
وأخرج ابن سعد عن حكيم بن الديلمى ان سعد بن أبى وقاص كان يسبح بالحصى.
وأخرج ابن أبى شيبة فى المنصف عن مولاه لسعد أن سعدا كان يسبح بالحصى، أو النوى.
وقال ابن سعد فى الطبقات ــ عن عبيد الله بن موسى بن اسرائيل عن جابر عن امرأة حدثته عن فاطمة بنت الحسين بن على بن أبى طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها.
وأخرج عبد الله بن الامام أحمد فى زوائد الزهد عن طريق نعيم بن محرز بن أبى هريرة عن جده أبى هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به.
وأخرج أحمد فى الزهد حدثنا مسكين بن نكير عن ثابت بن عجلان عن القاسم بن عبد الرحمن، قال ــ كان لأبى الدرداء نوى من نوى العجوة فى كيس، فكان اذا صلى الغداة أخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفدن.
وأخرج ابن سعد عن أبى هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجزع.
وقال الديلمى فى مسند الفردوس ــ عن عبدوس بن عبد الله عن أبى عبد الله الحسين ابن فتحوية الثقفى حدثنا على بن محمد بن نصروية حدثنا محمد بن هرون بن عيسى بن المنصور الهاشمى حدثنى محمد بن على بن حمزة العلوى حدثنى عبد الصمد بن موسى حدثتنى زينب بنت سليمان بن على حدثتنى أم الحسن بنت جعفر بن الحسن عن أبيها عن جدها عن على مرفوعا ( نعم المذكر السبحة ).
وأخرج ابن أبى شيبة عن أبى سعيد الخدرى أنه كان يسبح بالحصى.
وأخرج من طريق أبى نظرة عن رجل من الطفاوة قال ــ نزلت على ابراهيم ومعه كيس فيه حصى ــ أو حصى ــ فيسبح به حتى ينفد.
وأخرج عن زادان قال ــ أخذت من أم يعفور تسابيح لها، فلما أتيت عليا قال ــ أردد على أم تيفور تسابيحها.
ثم رأيت فى كتاب تحفة العباد ومصنف متأخر عاصر الجلال البلقنى فصلا حسنا فى السبحة قال فيه ما نصه ــ قال بعض العلماء ــ عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة، لحديث ابن عمرو، ولكن يقال ــ ان المسبح أن أمن من الغلط كان عقده بالأنامل أفضل، والا فالسبحة أولى.
وقد اتخذ السبحة سادات يشار اليهم، ويؤخذ عنهم، ويعتمد عليهم، كأبى هريرة t، كان له خيط فيه الفا عقدة فكان لا ينام حتى يسبح به ثنتى عشرة ألف تسبيحة، قال عكرمة.
وفى سنن أبى داود من حديث أبى نضرة الغفارى قال ــ حدثنى شيخ من طفاوة قال ــ تثويت أبا هريرة بالمدينة، فلم أر رجلا أشد تشميرا ولا أقوم على ضيف منه، قال ــ فبينما أنا عنده يوما وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصى أو نوى وأسفل منه جارية سوداء وهو يسبح بها، حتى اذا أنفد ما فى الكيس فدفعته اليه يسبح.
قوله ( تثويت ) أى تضيفته ونزلت فى منزله، والمثوى ــ المنزل. وقيل ــ كان أبو هريرة t يسبح بالنوى المجزع، يعنى الذى حك بعضه حتى أبيض شئ منه وترك الباقى على لونه، وكل مافيه سواد وبياض فهو مجزع، قاله أهل اللغة.
وذكر الحافظ عبد الغنى فى الكمال فى ترجمة أبى الدرداء عويمر رضى الل عنه أنه كان يسبح فى اليوم مائة ألف تسبيحة، وذكر أيضا عن سلمة بن شيب قال ــ كان خالد بن معدان يسبح فى اليوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ، فلما وضع ليغسل جعل بأصبعه كذا يحركها ــ يعنى بالتسبيح ــ ومن المعلوم المحقق أن المائة ألف، بل والأربعين ألفا وأقل من ذلك، لا يحصر بالأنامل، فقد صح بذلك وثبت أنهما كانا يعدان بآلة، والله أعلم.
وكان لأبى مسلم العيبانى رحمة الله عليه سبحة، فقام ليلة والسبحة فى يده، قال ــ فاستدارت السبحة فالتفت على ذراعه وجعلت تسبح، فالتفت أبو مسلم والسبحة تدور فى ذراعه وهى تقول ــ سبحانك يا منبت النبات، ويا دائم الثبات، قال ــ هلمى يا أم مسلم فانظرى الى أعجب الأعاجيب، قال ــ فجاءت أم مسلم والسبحة تدور وتسبح، فلما جلست سكتت، ذكره أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبرى فى كتاب كرامات الأولياء.
وقال الشيخ الامام العارف عمر العيبار ــ كانت سبحة الشيخ أبى الوفا كاكيش ــ وبالعربى عبد الرحمن ــ التى أعطاها لسيدى الشيخ محى الدين عبد القادر الكيلانى قدس الله أروعيبم اذا وضعها على الأرض تدور وحدها حبة حبة.
وذكر القاضى أبو العباس أحمد بن خلكان فى وقيات الأعيان أنه رؤى فى يد أبى القاسم الجنيد بن محمد رحمه الله يوما سبحة، فقيل له ــ أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة ؟ قال ــ طريق وصلت به الى ربى لا أفارقه، قال ــ وقد رويت فى ذلك حديثا مسلسلا ــ وهو ما أخبرنى به شيخنا الامام أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن عبد الله من لفظة، ورأيت فى يده سبحة ــ قال أنا الامام أبو العباس أحمد بن أبى المحاسن يوسف بن البانياسى بقراءتى عليه ورأيت فى يده سبحة قال ــ عن أبو المظفر يوسف بن محمد بن مسعود الترمذى ورأيت فى يده سبحة، قال ــ قرأت على شيخنا أبى الثناء ورأيت فى يده سبحة، قال ــ عن عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر ورأيت فى يده سبحة، قال ــ عن أبو محمد يوسف بن أبى الفرج عبد الرحمن بن على ورأيت فى يده سبحة، قال : أنا ورأيت فى يده سبحة قال : قرأت على على أبى الفضل بن ناصر ورأيت فى يده سبحة، قال ــ قرأت على أبى محمد عبد الله ابن أحمد السمرقندى ورأيت فى يده سبحة، قلت له ــ سمعت أبا بكر محمد بن على السلمى الحداد ورأيت فى يده سبحة ؟ فقال ــ نعم، قال ــ رأيت أبا ناصر عبد الوهاب ابن عبد الله بن عمر المقرى ورأيت فى يده سبحة، قال ــ رأيت أبا الحسن على بن الحسن بن أبى القاسم المترفق الصوفى وفى يده سبحة، قال ــ سمعت أبا الحسن المالكى يقول : وقد رأيت فى يده سبحة فقلت له : يا أستاذ وأنت الى الآن مع السبحة ؟ فقال : كذلك رأيت أستاذى الجنيد وفى يده سبحة، فقلت له ــ يا أستاذ وأنت الى الآن مع السبحة ؟ قال ــ كذلك رأيت أستاذى سرى بن مغلس السقطى وفى يده سبحة، فقلت ــ يا أستاذ أنت مع السبحة ؟ فقال ــ كذلك رأيت أستاذى معروفا الكرخى وفى يده سبحة، فسألته عما سألتنى عنه فقال ــ كذلك رأيت ( بشرا الحافى وفى يده سبحة فسألته عما سألتنى عنه فقال ــ كذلك رأيت ( أستاذى عمر المالكى وفى يده سبحة فسألته عما سألتنى عنه فقال ــ رأيت أستاذى الحسن البصرى وفى يده سبحة فقلت ــ يا أستاذ مع عظم شأنك وحسن عبادتك وأنت الى الآن مع السبحة ؟ فقال لى ــ شئ كنا استعملناه فى البدايات ما كنا نتركه فى النهايات، أحب أن أذكر الله بقلبى وفى يدى ولسانى. فلو لم يكن فى اتخاذ السبحة غير موافقة هولاء السادة والدعيب فى سلكهم والتماس بركتهم، لصارت بهذا الاعتبار ( من أهم الأمور ) وأوكدها، فكيف بها وهى مذكرة بالله تعالى لأن الانسان قل أن يراها الا ويذكر الله، وهذا من أعظم فوائدها، وبذلك كان يسميها بعض السلف رحمه الله تعالى. ومن فوائدها أيضا الاستعانة على دوام الذكر، كلما رآها ذكر أنها آلة للذكر فقاده ذلك الى الذكر، فيا حبذا سبب موصل الى دوام ذكر الله عز وجل، وكان بعضهم يسميها حبل الوصل، وبعضهم رابطة القلوب.
وقد أخبرنى من أثق بقوله أنه كان مع قافلة فى درب بيت المقدس، فقام عليه سرية عرب، وجردوا القافلة جميعهم وجردونى معهم، فلما أخذوا عمامتى سقطت مسبحة من رأسى، فلما رأوها قالوا ــ هذا صاحب سبحة، فردوا على ما كان أخذ لى، وانصرفت سالما منهم، فانظر يا أخى الى هذه الآلة المباركة الزاهرة، وما جمع فيها من خيرى الدنيا والآخرة، ولم ينقل عن أحد السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها، ولا يرون ذلك مكروها وقد رؤى بعضهم يعد تسبيحا فقيل له ــ اتعد على الله ؟ فقال ــ لا ولكن أعد له، والمقصود أن أكثر الذكر المعدود الذى جاءت به السنة الشريفة لا ينحصر بالأنامل غالبا، ولو أمكن حصره لكان الاشتغال بذلك يذهب الخشوع، وهو المراد، والله أعلم.
وأخرج ابن عساكر فى تاريخه عن بكر بن خنيس عن رجل سماه قال ــ كان فى يد أبى مسلم العيبانى سبحة يسبح بها، قال ــ فقام والسبحة فى يده فاستدارت السبحة، فالتفت على ذراعه وجعلت تسبح، فالتفت أبو مسلم والسبحة تدور فى ذراعه وهى تقول ــ سبحانك يامنبت النبات، ويا دائم الثبات، فقال هلم يا أم مسلم وانظرى الى أعجب الأعاجيب، فجاءت أم مسلم والسبحة تدور وتسبح، فلما جلست سكتت.
وقال عماد الدين المناوى فى سبحة :
ومنظومة الشمل يخلو بها اللبـــ يب فتجمع من همته
اذا ذكر الله جل اسمه عليها تفرق من هيبته