( فى مناقب الخلفاء الاربعة أبى بكر وعمر وعثمان وعلى )رضى الله عنهم أجمعين )

( فى مناقب الخلفاء الاربعة أبى بكر وعمر وعثمان وعلى )
( رضى الله عنهم أجمعين )
ـــــــــــ
الحمد لله الكريم الغفار الحليم الستار. مكور الليل على النهار، وكل شئ عنده بمقدار، حارت فى قضاياه العقول والافكار، وتاه فى بيداء أبديته أولو البصائر والاعتبار. قهر الجبابرة بقهر عزته فهو الواحد القهار، وعيبر الاكاسرة بقوة سطوته فهو العظيم الجبار. كون الاكوان ودبر الزمان. فلا يحتاج الى أعوان وأنصار لا يقاد قدره، ولا يستحق العبادة غيره. قد عم احسانه سائر الاماكن وجميع الاقطار. يعلم دبيب النملة السوداء فى الليلة الظلماء. ولا يخفى عليه شئ فى الارض ولا فى السماء. ولا فى قرار البحار. يعلم سر العبد عند مآله ومنقلبه، ويطلع على ضميره عند قصده وطلبه ] سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار [. فسبحانه من اله اصطفى واجتبى، وانتقى وارتضى، واختار ] وربك يخلق ما يشاء ويختار [. واصطفى محمد e نبيه المنتخب رسولا، واجتبى أبا بكر الصديق وخصه بالتصديق والهيبة والوقار.
وانتقى للصواب عمر ابن الخطاب فحلا ذكره وطاب للبادين والحضار. وارتضى عثمان ابن عفان لجمع القرآن، فجمعه ما بين أخماس وأعشار واختار على ابن أبى طالب لتفريق الكتائب واظهار العجائب, واشهار ذى الفقار، فهم الذين نزل فى حقهم على لسان رسوله المختار ] محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار [. فأبو بكر مؤنسه فى الغار، وعمر وزيره وأمينه على الاسرار، وعثمان المقتول بيد العدوان شهيد الدار، وعلى بن أبى طالب ابن عمه ووارث علمه الفارس الكرار.
فهؤلاء خلفاءه ووزراؤه الائمة الابرار. الذين وفوا للنبى e بعهودهم، وقد جرت بسعودهم الاقدار. وتابعوه وبايعوه على ما يحب ويختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الائمة الاخيار فى المعنى :
الطرف فى معناك حار يا من له أبدا يشار
كيف السلو وأنت فى قلبى وان نأت الديار
قد خصك الله الكريم بصحبة الشيخ الوقار
فهم أصحاب المصطفى ما خاب من بهم استجار
والبر عثمان الذى نال الشهادة والفخار
وحياة حبك لا سلو ت ان سلوت على عار
يا أيها الهادى البشير والهاشمى المستنار
وكذلك فى عمر الذى عمر الشريعة باشتهار
وعلى البطل الرضا مردى الطغاة بذى الفقار
فعليه صلى ربنا ما ناح فى الصبح الهزار
وعلى الصحابة بعد ما زمزم الحادى وسار
وروى أبوذر t عن النبى e انه قال ( من أدخل السرور على أصحابى فقد أدخل السرور على، ومن أدخل السرور على فقد سر الله، ومن سر الله كان حقا على الله أن يسره ويدخله الجنة ) وقال رسول الله e ( لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة الا فى قلب مؤمن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ). y أجمعين وقد روى عن النبى e انه قال ( أجئ يوم القيامة وأبوبكر عن يمينى، وعمر عن شمالى، وعثمان من ورائى، وعلى بين يدى، ومعه لواء الحمد، وعليه شقتان، شقة من السندس، وشقة من الاستبرق. فقام اليه أعرابى فقال فداك أبى وأمى يارسول الله، على يستطيع أن يحمل لواء الحمد قال كيف لا يستطيع حمله وقد أعطى خصالا : صبرا كصبرى وحسنا كحسن يوسف وقوة كقوة جبريل وان لواء الحمد بيد على بن أبى طالب وجميع الخلائق يومئذ تحت لوائى ).
وروى عن بن أبى طالب t قال رسول الله e ( رحم الله أبا بكر زوجنى ابنته وحملنى على ناقته الى دار الهجرة واعتق بلالا من ماله رحم الله عمر يقول الحق وان كان مرا، رحم الله عثمان تستحى منه الملائكة، رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه أين دار ) وفى المعنى :
هموا صحابة خير الخلق أيدهم رب السماء بتوفيق وايثار
فحبهم واجب يشفى السقيم به فمن أحبهمو ينجو من النار
وروى عن النبى e انه قال لأبى بكر t ( يا أبا بكر خلقنى الله عز وجل من جوهرة من نور فنظر اليها الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه فأوقفنى بين يديه فاستحييت منه فعرقت فسقط منى أربعة نقطات خلقك يا أبو بكر من أول نقطة وخلق عمر من الثانية وخلق عثمان من الثالثة وخلق على من الرابعة فنورك يا أبا بكر ونور عمر وعثمان وعلى من نورى ).
وقال e ( ان الله اختار أصحابى فى جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، فاختار من أصحابى أربعة، أبا بكر وعمر وعثمان وعلى بن أبى طالب ). y أجمعين. وروى عن على بن أبى طالب t قال : قال رسول الله e ( ان الله عز وجل افترض عليكم حب أبى بكر وعمر وعثمان وعلى كما افترض عليكم حب الصلاة والزكاة والصوم والحج فمن أبغض واحدا منهم لم يقبل الله له صلاة ولا زكاة ولا صوما ولا حجا ويحشر من قبره الى النار ).
وروى أنس بن مالك t أن النبى e قال ( لحوضى أربعة أركان فأول ركن منها فى يد أبى بكر والثانى فى يد عمر والثالث فى يد عثمان والرابع فى يد على فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ومن أحب عمر وأبغض عثمان لم يسقه عمر ومن أحب عثمان وأبغض عليا لم يسقه على فمن أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد كتب من المؤمنين ومن أحب عثمان فقد استنار بالنور المبين ومن أحب عليا فقد أحسن والله يحب المحسنين ومن أحسن الظن فيهم فهو مؤمن ومن أساء الظن فهو منافق ).
وفى المعنى :
من أحسن الظن بالله الكريم وفى رسوله كان مكتوبا من الشرفا
ومن أحب أصحاب المصطفى فله جنات عدن يرى فى ظلها غرفا
ومن يكن باغضا فيهم فان له نار الجحيم ويضحى باكيا أسفا
فهم نجوم الهدى فى كل مظلمة والله حسبى فيما قلته وكفى
( وعن أبى هريرة t ) قال ( كنا جلوسا عند رسول الله e اذا أقبل أبو بكر t فقال رسول الله e مرحبا بالمواسى بماله، مرحبا بالمؤثر على نفسه.ثم أقبل عمر بن الخطاب t فقال مرحبا بالمفرق بين الحق والباطل، مرحبا بمن أكمل الله به الدين وأعز به المسلمين. ثم أقبل عثمان بن عفان t، فقال : مرحبا بصهرى وزوج ابنتى التى جمع به نورى السعيد فى حياته، الشهيد فى مماته، ويل لقاتله من النار. ثم أقبل على بن أبى طالب t، فقال : مرحبا بأخى وابن عمى، والذى خلقت أنا وهو من نور واحد ). معاشر المسلمين هؤلاء لا يتفق حبهم الا فى قلب مؤمن، ولا يتفرق الا فى قلب منافق، فمن أحبهم أحبه الله. ومن أبغضهم أبغضه الله.
وفى المعنى أيضا :
حب النبى على الناس مفترض وحب أصحابه نور ببرهان
من كان يعلم أن الله خالقه لا يرمين أبا بكر ببهتان
ولا أبا حفص الفاروق صاحبه ولا الخليفة عثمان بن عفان
ولا عليا أبا السبطين نعم فتى وصى به الله فى سر واعلان
ركن الشريعة بحر العلم منتخب والبيت لا يستوى الا بأركان
شاعت مناقبهم فى الناس كلهم ما بين علم واحكام وتبيان
لا يستطيع العدا منه محاربة ولو أتوه بأبطال وشجعان
فهم صحابة خير الخلق خصهم رب العباد بجنات ورضوان
فمن أحبهم قد نال منزلة عند الاله وجازاه باحسان
عليهم من سلام الله أطيبه ما ناحت الورق فى أوراق وأغصان
وروى أبو سعيد الخدرى t عن النبى e أنه قال ( دخلت الجنة فبينما أنا أطوف فى رياضها وبين أنهارها وأشجارها اذ ضربت بيدى الى ثمرة، فأخذتها فانفلقت فى يدى أربع قطع، فخرج من كل قطعة حورية، لو أخرجت ظفرها لفتنت أهل السموات والارض، ولو أخرجت كفها لغلب ضوءها ضوء الشمس والقمر، ولو تبسمت لملأت ما بين السماء والارض مسكا من رائحتها، فقلت للأولى لمن أنت ؟ قالت لأبى بكر الصديق، فقلت أمضى الى قصر بعلك. فمضت. وقلت للثانية لمن أنت ؟ فقالت لعمر بن الخطاب، فقلت أمضى الى قصر بعلك. فمضت. وقلت للثالثة لمن أنت ؟ فقالت للمخضب بدمه المقتول ظلما، عثمان بن عفان، فقلت لها أمضى الى قصر بعلك فمضت. وقلت للرابعة لمن أنت ؟ فسكتت ثم قالت والله يارسول الله ان الله تعالى خلقنى على حسن فاطمة ولقد سمانى على اسمها وان الله تعالى زوجنى من على بن أبى طالب t قبل أن يتزوج فاطمة بألفى عام ).
فهم خلفاء النبى e وأنصاره وأصحابه وهم حافون به يوم القيامة الى دار الكرامة.
فهم صحاب المصطفى وهم الخواص من الامم.
أهل المأثر والمفاخر والفتوة والكرم.
وبعدلهم سادوا الورى وبنورهم تجلى الظلم.
خلفاء أفضل شافع للخلق فى يوم الندم.
صلى عليه ربنا ما سح دمع وانسجم.
وعلى صحابته الكرام الطاهرين أولى الشيم.
وقيل ان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضى الله عنهما، كانا فى بعض أشغال النبى e، فأدركتهما صلاة العصر، فقال عمر بن الخطاب لعثمان رضى الله عنهما، تقدم فصل بنا فقال عثمان رضى الله عنه أنت أولى منى بالتقدم ياعمر , فان رسول الله e قدمك وأثنى عليك، فقال عمر t أنا لا أتقدم عليك فانى سمعت رسول الله e يقول ( نعم الرجل عثمان صهرىوزوج ابنتى ومن جمع الله به نورى ). فقال عثمان t أنا لا أتقدم عليك فانى سمعت رسول الله e يقول ( عمر أكمل الله به الاسلام ). فقال عمر t أنا لا أتقدم عليك فانى سمعت رسول الله e يقول عثمان تستحى منه الملائكة. فقال عثمان t أنا لا أتقدم عليك فانى سمعت رسول الله e يقول عمر كمل الله به الدين وأعز به المسلمين. فقال عمر t أنا لا أتقدم عليك فانى سمعت رسول الله e يقول عثمان يجمع القرآن، وهو حبيب الرحمن. فقال عثمان t أنا لا أتقدم عليك فانى قد سمعت رسول الله e يقول نعم الرجل عمر يتفقد الارامل والايتام، ويحمل لهم الطعام، وهم نيام، فقال عمر t أنا لا أتقدم عليك فانى سمعت رسول الله e يقول فى حقك غفر الله لعثمان مجهز جيش العسرة. فقال عثمان t أنا لا أتقدم عليك فانى سمعت رسول الله e يقول فى حقك اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب، وسماك رسول الله e الفاروق، وفرق الله تعالى بك بين الحق والباطل. فبلغ ذلك رسول الله e فدعا لهما وشكرهما على حسن أدبهما بعضهما مع بعض :
طوبى لمن قلبه بالله مشتغل يبكى النهار وطول الليل يبتهل
خوف الوعيد وذكر النار أذهله والدمع منه على الخدين ينهمل
يهوى صحابة خير الخلق كلهم فحبهم واجب يرجى به الأمل
الله فضلهم حقا وشرفهم بالمصطفى وبه قد ضاءت السبل
صلى عليه اله العرش ثم على أهليه والصحب ما حست له الابل
( وروى أبو هريرة t ) ان أبا بكر الصديق وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما قدما يوما الى حجرة رسول الله e، فقال على لأبى بكر رضى الله عنهما تقدم فكن أول قارع يقرع الباب، وألح عليه، فقال أبو بكر تقدم أنت يا على، فقال على t ما كنت بالذى يتقدم على رجل سمعت رسول الله e يقول فى حقه، ما طلعت الشمس ولا غربت من بعدى على رجل أفضل من أبى بكر الصديق. فقال أبو بكر الصديق t أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه e أعطيت خير النساء لخير الرجال. فقال على t أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، من أراد أن ينظر الى صدر ابراهيم الخليل فلينظر الى صدر أبى بكر الصديق. فقال أبو بكر t، أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، من أراد أن ينظر الى آدم عليه السلام، والى يوسف وحسنه، والى موسى وصلاته، والى عيسى وزهده، والى محمد e وخلقه، فلينظر الى على. فقال على t، أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، اذا اجتمع العالم فى عرصات يوم القيامة يوم الحسرة والندامة ينادى مناد من قبل الحق عز وجل، يا أبا بكر أنت ومحبوبك الجنة.
فقال أبو بكر أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e يوم حنين وخيبر، وقد أهدى اليه تمر ولبن، هذه هى هدية من الطالب الغالب الى على ابن أبى طالب فقال على t لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، أنت يا أبا بكر عينى.
فقال أبو بكر t : أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، يجئ على كرم الله وجهه على مركب من مراكب الجنة فينادى مناديا يا محمد كان لك فى الدنيا والد حسن، وأخ حسن، أما الوالد الحسن، فأبوك ابراهيم الخليل، وأما الأخ الحسن، فعلى بن ابى طالب t .
فقال على t أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، اذا كان يوم القيامة يجئ رضوان خازن الجنان بمفاتيح الجنة ومفاتيح النار، ويقول يا أبا بكر، الرب جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك هذه مفاتيح الجنة ومفاتيح النار، ابعث من شئت الى الجنة وابعث من شئت الى النار، فقال أبو بكر t أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، ان جبريل عليه السلام أتانى فقال لى ان الله عز وجل يقرئك السلام، ويقول لك أنا أحبك وأحب عليا، فسجدت شكرا، وأحب فاطمة، فسجدت شكرا، وأحب حسنا وحسينا فسجدت شكرا.
فقال على t أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، لو وزن ايمان أبى بكر بايمان أهل الأرض لرجح عليهم.
فقال أبو بكر t أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، ان عليا يجئ يوم القيامة ومعه أولاده وزوجته على مراكب من البدن، فيقول أهل القيامة أى نبى هذا، فينادى مناد هذا حبيب الله هذا على بن ابى طالب. فقال على t أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، غدا يسمع أهل المحشر من ثمانية أبواب الجنة أدخل من حيث شئت أيها الصديق الأكبر.
فقال أبو بكر t أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، بين قصرى وقصر ابراهيم الخليل، قصر على بن أبى طالب. فقال على t أنا لا أتقدم على رجل قال فى حقه رسول الله e، ان أهل السموات من الكروبيين والروحانيين والملاء الاعلى لينظرون فى كل يوم الى أبى بكر الصديق.
فقال أبو بكر t أنا لا أتقدم على رجل قال الله تعالى فى حقه وحق أهل بيته ] ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا [. فقال على t أنا لا أتقدم على رجل قال الله تعالى فى حقه ] والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون [ فنزل جبريل عليه السلام الى الصادق الامين، من عند رب العالمين، وقال يا محمد العلى الاعلى يقرئك السلام، ويقول لك ان ملائكة السبع سموات، لينظرون فى هذه الساعة الى أبى بكر الصديق والى على بن أبى طالب، ويستمعون ما جرى بينهما من حسن الأدب وحسن الجواب من بعضهما لبعض، فقم اليهما وكن ثالثهما، فان الله تعالى قد حفهما بالرحمة والرضوان، وخصهما بحسن الأدب والاسلام والايمان. فخرج النبى e اليهما فوجدهما كما ذكر له جبريل فقبل النبى e وجه كل أحد منهما وقال : وحق من نفس محمد بيده لو أن البحار أصبحت مدادا والاشجار أقلاما وأهل السموات والأرض كتابا لعجزوا عن فضلكما وعن وصف أجركما :
من ذا يطيق بأن يحصى الثناء على محمد وعلى الصديق صاحبه
وقد رقى عمر الفاروق منزلة وحاز عزا وفخرا فى مراتبه
وحاز عثمان فضلا بالنبى وقد أثنت جميع البرايا عن مناقبه
وذو الفقار على المرتضى فله بحر من العلم يبدو من عجائبه
فهم ملاذ لمن خاف الحساب اذا ضاقت عليه أمور فى مذاهبه
عليهم صلوات الله ما لمعت فى الليل أنوار برق فى غياهبه
( وروى عن ) من محمد بن ادريس الشافعى t، قال : رأيت بمكة نصرانيا يدعى بالأسقف، وهو يطوف بالكعبة فقلت، ما الذى يرغبك عن دين أبائك، فقال بدلت خيرا منه، قلت فكيف كان ذلك، فحكى لى أنه ركب فى البحر، قال : فلما توسطنا فيه، انكبت المركب، فتعلقت على لوح، فمازالت الامواج تدفعنى حتى رمتنى فى جزيرة من جزائر البحر، فيها أشجار كثيرة، ولها ثمار أحلى من الشهد، وألين من العيبد، وفيها نهر جار عذب، قال فقلت الحمد لله على ذلك، آكل من هذا الثمر، وأشرب من هذا النهر، حتى يأتى الله بالفرج، فلما ذهب النهار وجاء الليل خفت على نفسى من الدواب، فعلوت شجرة ونمت على غصن، فلما كان وسط الليل اذا بدابة على وجه الماء تسبح الله تعالى وتقول بلسان فصيح، لا اله الا الله العزيز الجبار، محمد رسول الله النبى المختار، أبو بكر الصديق صاحبه فى الغار، عمر الفاروق فاتح الامصار، عثمان القتيل فى الدار، على سيف الله على الكفار، فعلى مبغضهم لعنة العزيز الجبار، ومأواه النار وبئس القرار. ولم تزل تكرر هذه الكلمات الى الفجر فلما طلع الفجر قالت لا اله الا الله الصادق الوعد والوعيد، محمد رسول الله الهادى الرشيد، أبو بكر الموفق السديد، عمر بن الخطاب سور من حديد، عثمان الفضيل الشهيد، على بن أبى طالب ذو البأس الشديد، فعلى مبغضهم لعنة الرب المجيد. فلما وصلت الدابة الى البر اذ رأسها رأس نعامة، ووجهها وجه انسان، وقوائمها قوائم بعير وذنبها ذنب سمكة، فخفت على نفسى المهلكة، فهربت منها، فالتفتت الى وقالت قف. والا تهلك. فوقفت فقالت لى ما دينك ؟ فقلت : النصرانية، فقالت ويحك يا خاسر ارجع الى الحنفية، فانك قد حللت بفناء قوم من مسلمى الجن، لا ينجو منهم الا من كان مسلما، فقلت وكيف الاسلام، قالت تشهد أن لا اله الا الله وان محمد رسول الله، فقلتها فقالت اكمل اسلامك بالتراضى عن أبى بكر، وعمر، وعثمان وعلى، قلت ومن أتاكم بذلك، قالت قوم منا حضروا عن رسول الله e، فسمعوه يقول اذا كان يوم القيامة، تأتى الجنة فتقول بلسان طلق الهى قد وعدتنى أن تشيد أركانى، فيقول الجليل جل جلاله، قد شيدتك أركانك بأبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وزينتك بالحسن والحسين، ثم قالت لى الدابة تريد المقام هنا أم الرجوع الى أهلك ؟ قلت الرجوع الى أهلى، فقالت أمكث مكانك حتى يجتاز بك مركب. فمكثت مكانى ونزلت الدابة البحر فما غابت عن عينى حتى مر على مركب وفيها ركاب. فأشرت اليهم فحملونى. فاذا فى المركب اثنى عشر رجلا كلهم نصارى، فأخبرتهم خبرى وقصصت عليهم قصتى فأسلموا كلهم فعلمت أن لهؤلاء الاقوام سرا عند الملك العلام. اذ ببركتهم حصل لى الاسلام. ونلت أعلى مقام :
قوم لهم عند رب العرش منزلة وحرمة وبشارات واكرام
فازوا بصحبة خير الخلق واتصفوا بوصفه فهمو للناس اعلام
ففى أبى بكر الصديق قد وردت آثار فضل لها فى الذكر أحكام
وبعده عمر الفاروق صاحبه به تكمل فى الآفاق اسلام
وهكذا البر عثمان الشهيد له فى الليل ورد وبالقرآن قوام
وللامام على المرتضى منح له احترام واعزاز واكرام
هم الصحابة للهادى بهم وضحت طرق الهدى وعلى الخيرات قد داموا
عليهم من سلام الله أطيبه ما أفطر الناس يوم الشك أو صاموا
وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم. من كتاب الروض الفائق فى المواعظ والرقائق لمؤلفه الشيخ شعيب الحريفيشى صفحة 263 ــ طبعه عبد الحميد أحمد حنفى.
تعريف الصحابى وعدد الصحابة وطبقاتهم y
ـــــــــــــــــ
ذكر الامام القسطلانى فى المواهب وغيره : ان الصحابى هو من صحب النبى e من المسلمين أو رأه ولو ساعة وهو مؤمن به ومات على ذلك قال رحمه الله تعالى : والصحابة ثلاثة أصناف.
الاول : المهاجرون ـ الثانى : الانصار ـ الثالث : من أسلم يوم الفتح.
قال ابن الاثير فى جامع الاصول : والمهاجرون أفضل من الأنصار وهذا على سبيل الاجمال وأما على سبيل التفصيل فان جماعة من سباق الانصار أفضل من جماعة متأخرى المهاجرين وانما سباق المهاجرين أفضل من سباق الانصار. ثم هم بعد ذلك متفاوتون، فرب متأخر فى الاسلام أفضل من متقدم عليه مثل عمر بن الخطاب وبلال بن أبى رباح. قال القسطلانى وقد ذكر العلماء للصحابة ترتيبا على طبقات.
الطبقة الاولى : قوم أسلموا بمكة أول المبعث وهم سباق المسلمين : مثل خديجة بنت خويلد وعلى بن أبى طالب وأبى بكر وزيد بن حارثة وبقية العشرة y.
الطبقة الثانية : أصحاب دار الندوة بعد اسلام عمر بن الخطاب t حمل النبى e ومن معه من المسلمين على الذهاب الى دار الندوة فأسلم لذلك جماعة من أهل مكة.
الطبقة الثالثة : الذين هاجروا الى الحبشة فرارا بدينهم من أذى المشركين منهم جعفر ابن أبى طالب وأبو سلمة بن عبد الاسد.
الطبقة الرابعة : أصحاب العقبة الاولى وهم سباق الانصار الى الاسلام وكانوا ستة وأصحاب العقبة الثانية من العام المقبل وكانوا عشر رجلا.
الطبقة الخامسة : أصحاب العقبة الثالثة وكانوا سبعين من الانصار، منهم البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة.
الطبقة السادسة : المهاجرون الذين وصلوا الى النبى e بعد هجرته وهو بقباء قبل أن يبنى المسجد وينتقل الى المدينة.
الطبقة السابعة : أهل بدر الكبرى قال e لعمر فى قصة حاطب ابن أبى بلتعة ( ومايدريك لعل الله أطلع على هذه العصابة من أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم ) رواه البخارى ومسلم.
الطبقة الثامنة : الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
الطبقة التاسعة : أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا بالحديبية تحت الشجرة قال e لا يدخل النار ان شاء الله من أصحاب الشجرة أحد ) رواه مسلم.
الطبقة العاشرة : الذين هاجروا بعد الحديبية وقبل فتح مكة كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
الطبقة الحادية عشر : الذين أسلموا يوم الفتح وهم خلق كثير.
الطبقة الثانية عشر : صبيان أدركوا النبى e ورأوه يوم الفتح وبعده فى حجة الوداع وغيرها كالسائب بن يزيد.
انتهى كلام المواهب، ونسبوا هذا التقسيم الى الحاقظ ابى عبد الله الحاكم فى كتاب علوم الحديث. قال الامام الزرقانى فى شرحه عليها. وقال ابن سعد : انهم خمس طبقات.
الأولى : البدريون.
الثانية : من أسلم قديما ممن هاجر عامتهم الى الحبشة وشهدوا أحدا فما بعدها.
الثالثة : ممن شهد الخندق فما بعدها.
الرابعة : مسلمة الفتح فما بعدها.
الخامسة : الصبيان والاطفال مما لم يغزاه.
قال فى المواهب : وأما عدة أصحابه e. فمن رام حصر ذلك رام أمرا بعيدا ولا يعلم حقيقة ذلك الا الله تعالى لكثرة من أسلم من أول البعثة الى أن مات النبى e وتفرقهم فى البلدان والبوادى.
وقد روى البخارى ان كعب بن مالك t : قال فى قصة تخلفه عن غزوة تبوك : واصحاب رسول الله e كثير لا يجمعهم كتاب حافظ : يعنى الديوان لكن قد جاء ضبطهم فى بعض مشاهده كتبوك. وقد روى انه سار عام الفتح لمكة فى عشرة آلاف من المقاتلين والى حنين فى اثنى عشر ألفا والى حجة الوداع فى تسعين الفا. وقيل مائة ألف وأربعة عشرة ألفا ويقال أكثر من ذلك حكاه البيهقى، والى تبوك فى سبعين ألفا وقد روى انه e قبض عن مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا والله أعلم بحقيقة ذلك. انتهى كلام المواهب.
قال شارحها المذكور وجاء عن أبى زرعه الرازى أنه قيل له أليس يقال حديث النبى e أربعة ألف حديث ؟ فقال ومن قال ذا، فلق الله أنيابه، هذا قول الزنادقة، قبض رسول الله e أعنى مائة ألف وأربعة عشر الفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه وفى رواية ممن رآه وسمع منه له هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا منه ؟ قال أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما والاعراب ومن شهد معه حجة الوداع، كل رآه وسمع منه بعرفة.
قال ابن فتحون فى ذيل الاستيعاب. أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصة فكيف بغيرهم ؟ قال يعنى الحافظ. أبن حجر : ولم يحصل لجميع من جمع أسماء الصحابة العشر من أساميهم بالنسبة الى قول أبى زرعة هذا، فان جميع ما فى الاستيعاب ثلاثة آلاف وخمسمائة وزاد عليه ابن فتحون قريبا من ذلك، وبخط الحافظ الذهبى على التجربة : لعل الجميع ثمانية آلاف ان لم يزيدوا لم ينقصوا. قال يعنى الحافظ ابن حجر : ورأيت بخطه أيضا ان جميع من فى ( أسد الغابة ) سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفسا.
وسبب خفاء أسمائهم ان أكثرهم أعراب وأكثرهم حضروا حجة الوداع اهـ. وعن الشافعى قبض e عن ستين ألفا ثلاثون بالمدينة وثلاثون فى قبائل العرب وغيرها وعن أحمد : قبض e وقد صلى خلفه ثلاثون ألف رجل وكأنه عنى بالمدينة فلا يخالف مافوقه والله أعلم بحقيقة ذلك فان كان من قال شيئا انما حكاه على قدر تتبعه ومبلغ علمه أو أشار بذلك الى وقت خاص وحال، فاذا لا تضارب بين كلامهم اهـ. وعن مالك مات بالمدينة نحو عشرة آلاف نفس من الصحابة. انتهى كلامى الزرقانى رحمه الله تعالى.

القسم الاول فى نقل عبارات أكابر العلماء من ائمة
المذاهب الاربعة
لقد استدلوا بها من الكتاب والسنة واجماع الأمة : على فضل أصحاب رسول الله e وما يجب فى حقهم من حسن الاعتقاد ولزوم سبيل السداد ورتبتهم بحسب أزمانهم.
الامام الطحاوى :
قال رحمه الله تعالى فى عقيدته : ونحب أصحاب رسول الله e، ولا نفرط فى حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الحق لا نذكرهم الا بالجميل، وحبهم دين وايمان واحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. ونثبت الخلافة بعد رسول الله e : أولا لأبى بكر الصديق t، تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب t، ثم لعثمان بن عفان t، ثم لعلى بن أبى طالب t، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون.
وان العشرة الذين سماهم رسول الله e نشهد لهم بالجنة. كما شهد رسول الله e وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والعيبير بن العوام وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وهو أمين هذه الأمة رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن أحسن القول فى أصحاب رسول الله e وأزواجه وذرياته فقد برئ من النفاق. وعلماء السلف السابقين والتابعين ومن بعدهم من اهل الخير والاثر واهل العفة والنظر لا يذكرون الا بالجميل. ومن ذكرهم بالسوء فهو على غير السبيل. انتهت عبارة الامام الطحاوى فى عقيدته.
الامام الغزالى :
قال رحمه الله تعالى فى كتاب الاقتصاد فى الاعتقاد فى شرح عقيدة اهل السنة من الصحابة. والخلفاء الراشدين y : اعلم ان للناس فى الصحابة اسرافا فى اطراف. فمن مبالغ الثناء حتى يدعى العصمة للأئمة، ومنهم متهجم على الطعن، يطلق اللسان بذم الصحابة، فلا تكونن من الفريقين واسلك طريق الاقتصاد فى الاعتقاد.
واعلم ان كتاب الله تعالى مشتمل على الثناء على المهاجرين والانصار، وتواترت الاخبار بتزكية النبى e اياهم بالفاظ مختلفة، كقوله ( اصحابى كالنجوم، بايهم اقتديتم اهتديتم ) وكقوله ( خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم ) وما من واحد الا ورد عليه ثناء خاص فى حقه يطول نقله فينبغى ان تستصحب هذا الاعتقاد فى حقهم ولا تسئ الظن بهم وما يحلى عن احوال تخالف مقتضى حسن الظن، فاكثر ما ينقل مخترع وما ثبت نقله فالتأويل متطرق اليه، ولم يجر ما لا يتسع العقل لتجويز الخطأ والسهو فيه، وحمل افعالهم على قصد الخير وان لم يصيبوه.
والمشهور من قتال معاوية مع على وسير عائشة y الى البصره، فالظن بعائشة انها كانت تطلب تطفئة الفتنة، ولكن خرج الامر من الضبط، فأواخر الامور لا تبقى على وفق طلب أوائلها، بل تخرج عن الضبط، والظن بمعاوية انه كان على تأويل وظن فيما كان يتعاطاه، وما يحكى سوى هذا من روايات الاحاد فالصحيح منه مختلط بالباطل، والاختلاق اكثره اختراعات الروافض والخوراج وارباب الفضول الخائضين فى هذه الفنون، فينبغى ان تلازم الانكار فى كل ما لم يثبت، وما ثبت فاستنبط له تأويلا فما تعذر عليك فقل لعل له تأويلا وعذرا لم اطلع عليه.
واعلم انك فى هذا المقام بين ان تسئ الظن بمسلم وتطعن عليه وتكون كاذبا، او تحسن الظن به وتكف لسانك عن الطعن وانت مخطئ مثلا، والخطأ فى حسن الظن بالمسلم اسلم من الصواب بالطعن فيه، فلو سكت انسان مثلا عن لعن ابليس، ولعن ابى جهل، او ابى لهب، او من شئت من الاشرار طول عمره لم يضره السكوت، ولو هفا هفوة بالطعن فى مسلم بما هو برئ عند الله تعالى منه فقد تعرض للهلاك، بل اكثر ما يعلم فى الناس لا يحل النطق به لتعظيم الشرع الزجر عن الغيبة، مع انه اخبار عما هو متحقق فى المغتاب، فمن يلاحظ هذه الفضول ولم يكن فى طبعه ميل الى الفضول، آثر ملازمته السكوت وحسن الظن بكافة المسلمين، واطلاق اللسان بالثناء على جميع السلف الصالحين، هذا حكم الصحابة عامة. فاما الخلفاء الراشدون فهم افضل من غيرهم، وترتيبهم فى الفضل عند اهل السنة كترتيبهم فى الامامة : اى الخلافة وهذا لمكان ان قولنا فلان افضل من فلان معناه ان محله عند الله تعالى فى الاخرة أرفع وهذا غيب لا يطلع عليه الا الله ورسوله ان اطلعه عليه ولا يمكن ان يدعى نصوصا قاطعة من صاحب الشرع متواترة مقتضية للفضيلة على هذا الترتيب، بل المنقول الثناء على جميعهم واستنباطا حكم الترجيحات فى الفضل من دقائق ثنائه عليهم، رمى فى عماية واقتحام أمر خطر أغنانا الله عنه. وتعرف الفضل عند الله تعالى بالاعمال مشكل ايضا، وغايته رجم ظن، فكم من شخص محروم الظاهر وهو عند الله بمكان لسرٍّ فى قلبه، وخلق خفى فى باطنه، وكم من مزين بالعبادات الظاهرة وهو فى سخط الله لخبث مستكن فى باطنه، فلا مطلع على السرائر الا الله تعالى، ولكن اذا ثبت انه لا يعرف الفضل الا بالوحى ولا يعرف من النبى الا بالسماع واولى الناس بسماع ما يدل على تفاوت فضائل الصحابة الملازمون لاحوال النبى e، وهم قد اجمعوا على تقديم ابى بكر، ثم نص ابو بكر على عمر ثم اجمعوا بعده على عثمان، ثم على على y، وليس ظن منهم الخيانة فى دين الله تعالى لغرض من الاغراض، وكان اجماعهم على ذلك من احسن ما يستدل به على مراتبهم فى الفضل، ومن هذا اعتقد أهل السنة هذا الترتيب فى الفضل، ثم بحثوا عن الاخبار فوجدوا فيها ما عرف به مستند الصحابه، وأهل الاجماع فى هذا الترتيب.
انتهت عبارة كتاب الاقتصاد.
وقال الامام الغزالى ايضا فى احياء علوم الدين : الامام الحق بعد رسول الله e أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم على y، ولم يكن نص رسول الله e على امام أصلا، اذ لو كان لكان أولى بالظهور من نصبه آحاد الولاة والامراء على الجنود فى البلاد ولم يخف ذلك، فكيف خفى هذا، وان ظهر فكيف اندرس حتى لم ينقل الينا، فلم يكن أبو بكر اماما الا بالاختيار والبيعه، واما تقدير النص على غيره فهو نسبة للصحابة كلهم الى مخالفة رسول الله e وخرق الاجماع، وذلك مما لا يجترئ على اختراعه الا الروافض، واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابه والثناء عليهم، كما اثنى الله سبحانه وتعالى على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وما جرى بين معاوية وعلى رضى الله عنهما كان مبنيا على الاجتهاد لا منازعة من معاوية فى الامامه، اذ ظن على t ان تسليم قتلة عثمان مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدى الى اضطراب امر الامامه فى بدايتها، فرأى التأخير اصوب، وظن معاوية أن تأخير أمرهم مع عظيم جنايتهم يوجب الاغراء بالائمة ويعرض الدماء للسفك.
وقد قال أفاضل العلماء. كل مجتهد مصيب. وقال قائلون : المصيب واحد ولم يذهب الى تخطئة على ذو تحصيل اصلا، وفضل الصحابة رضوان الله عنهم على حسب ترتيبهم فى الخلافة اذ حقيقة الفضل ما هو فضل عند الله عز وجل وذلك لا يطلع عليه الا رسول الله e. وقد ورد فى الثناء على جميعهم آيات واخبار كثيرة، وانما يدرك دقائق الفضل والترتيب فيه المشاهدون للوحى والتنزيل بقرائن الاحوال ودقائق التفصيل، فلولا فهمهم ذلك لما رتبوا الامر كذلك، اذ كانوا لا تأخذهم فى الله لومة لائم، ولا يصرفهم عن الحق صارف أهـ. . كلام الامام الغزالى.
القاضى عياض : ـ
قال رحمه الله تعالى فى الشفاء. ومن توقيره e وبره توقير اصحابه وبرهم، ومعرفة حقهم، والاقتضاء بهم، وحسن الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والامساك عما شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم، والاضراب عن اخبار المؤرخين وجهلة الرواة وضلال الشيعة والمبتدعين القادحة فى احد منهم، وان يلتمس لهم فيما نقل عنهم مثل ذلك فيما كان بينهم من الفتن احسن التأويلات والمحامل، ويخرجه اصوب المخارج اذ هم اهل ذلك، ولا يذكر احدا منهم بسوء، ولا يغمض عليه أمرا، بل يذكر حسناتهم وفضائلهم وحميد سيرهم، ويسكت عما وراء ذلك كما قال e فى حديث الطبرانى عن ابن مسعود ( اذا ذكر اصحابى فامسكوا ).
وقال الله تعالى ] محمد رسول الله، والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماهم فى وجههم من أثر السجود، ذلك مثلهم فى التوراة، ومثلهم فى الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما [ وقال تعالى ] والسابقون الأولون من المهاجرين والانصار، والذين اتبعوهم بأحسان y ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا، ذلك الفوز العظيم [ وقال الله تعالى ] لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة، فعلم ما فى قلوبهم فانزل السكينة عليهم واثابهم فتحا قريبا [.
وقال الله تعالى ] من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا [.
ثم ذكر رحمه الله تعالى احاديث وآثارا كثيرة فى فضلهم y. منها قوله e فى حديث الترمزى ( الله الله فى أصحابى لا تتخذوهم غرضا بعدى، فمن أحبهم فبحبى أحبهم، ومن ابغضهم فببغضى ابغضهم، ومن آذاهم فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله تعالى، ومن آذى الله تعالى يوشك أن يأخذه ) وأذية الله تعالى عبارة عن فعل ما لا يرضاه، اذ معناه الحقيقى لا يتصور فى حقه تعالى فهو مشاكلة. قاله الشهاب الخفاجى. ومنها قوله e فى حديث مسلم ( لا تسبوا اصحابى فلو انفق احدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه ) ومنها قوله e فى حديث الديلمى وأبى نعيم ( من سب أصحابى فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ). الصرف : النفل، والعدل : الفرض.
ومنها قوله e فى حديث العيبار والديلمى عن جابر : ( ان الله اختار اصحابى على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لى منهم اربعة : ابا بكر وعمر وعثمان وعليا فجعلهم خير اصحابى، وفى اصحابى كلهم خير ). قال الشهاب الخفاجى فى شرح هذا الحديث فكلهم علماء عدول كما فى الحديث ( خير القرون قرنى ثم وثم ) وهذا سبب ما حكاه امام الحرمين رحمه الله تعالى فى الاجماع على عدالتهم كلهم صغيرهم وكبيرهم فلا يجوز الانتقاد عليهم بما صدر عن بعضهم، مما ادى اليه اجتهاده لما اوجب القطع بانهم خير الناس بعد النبيين والمرسلين، ولما اتصفوا به من الهجرة وترك الأهل والأوطان وبذل النفوس والاموال، فى نصرة الدين، وقتل الاباء والابناء، والمناصحة فى الدين، وقوة الايمان واليقين، وغير ذلك من المنح الالهية.أ.هـ. ومنها حديث الطبرانى.
عن خالد بن سعيد أن رسول الله e ( لما قدم من حجة الوداع الى المدينة صعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه ثم قال : ايها الناس انى راضى عن عمر وعن عثمان وعن على وعن طلحة والعيبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، فاعرفوا لهم ذلك، ايها الناس ان الله قد غفر لأهل بدر والحديبية، ايها الناس احفظونى فى اصحابى واصهارى واختانى لا يطالبنكم احد منهم بمظلمة، فأنها مظلمة لا توهب فى القيامة غدا ). ومنها حديث ابى نعيم والديلمى عن انس : ان رسول الله e قال : احفظونى فى اصحابى واصهارى، فأنه من حفظنى فيهم حفظه الله فى الدنيا والأخرة، ومن لم يحفظنى فيهم تخلى الله عنه، ومن تخلى الله عنه يوشك ان يأخذه. ( ومن الأثار قول الأمام مالك بن انس رحمه الله تعالى : من ابغض الصحابة وسبهم فليس له فى المسلمين حق. قال فى الشفاء : ونزع اى استدل باية سورة الحشر، وهى قوله تعالى ] والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالأيمان ) انتهى كلام الشفا.
ـــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب شواهد الحق فى الاستغاثة بسيد الخلق ــ صفحة 374 ــ للسيد يوسف بن اسماعيل النبهانى.
طبع الكتاب بشركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر.