لإِمَامُ اللَّيْثُ بنُ سَعْدِ
مَوْلِدُهُاللَّيْثُ بنُ سَعْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الحَارِثِ الفَهْمِيُّ الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ،
وَعَالِمُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ يَقُوْلُوْنَ: نَحْنُ مِنَ الفُرسِ، مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ.
مَوْلِدُهُ: بِقَرْقَشَنْدَةَ - قَرْيَةٌ مِنْ أَسْفَلِ أَعْمَالِ مِصْرَ - فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ.
كَانَ اللَّيْثُ رَحِمَهُ اللهُ فَقِيْهَ مِصْرَ، وَمُحَدِّثَهَا، وَمُحْتَشِمَهَا، وَرَئِيْسَهَا،
وَمَنْ يَفتَخِرُ بِوُجُوْدِهِ الإِقْلِيْمُ، بِحَيْثُ إِنَّ مُتَوَلِّي مِصْرَ، وَقَاضِيَهَا، وَنَاظِرَهَا مِنْ تَحْتِ أَوَامِرِه،
وَيَرْجِعُوْنَ إِلَى رَأْيِهِ، وَمَشُوْرَتِهِ.
فهو من أشهر الفقهاء في زمانه، فاق في علمه وفقهه إمام المدينة الإمام مالك،
غير أن تلامذته لم يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الآفاق، مثلما فعل تلامذة الإمام مالك،
وكان الإمام الشافعي يقول: اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُوْمُوا بِهِ.
كرمه وسخائه وحبه للصدقةكان من الكرماء الأجواد، يعلم الأحكام مليًا، ويبذل الأموال سخيًا
ومما يروى عن كرمه: أن امرأة جاءت إلى الليث بن سعد فقالت إن لي أخًا وصف له العسل فهب لي سُكُرَّجَة،
فقال: يا غلام املأ سكرجتها عسلاً وأعطها زقًا من عسل
فقال الغلام: إنها سألت سكرجة،
قال: سألت بقدرها وأعطيناها بقدرنا وحق لي ذلك إني امرؤ ابن أصبهان.
روى أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ دَخْلُ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ،
مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ زَكَاةَ دِرْهَمٍ قَطُّ.
لأن الحول كان لا ينقضي عنه حتى ينفقها ويتصدق بها،
وكان له قرية بمصر يقال لها الفرما يحمل إليه من خراجها فيجعل ذلك صررًا ويجلس على باب داره ويُعطي صُرة لهذا وصرة لهذا حتى لا يدع إلا اليسير.
قال يحيى بن بكير: رأيت الفقراء يزدحمون على باب الليث بن سعد وهو يتصدق عليهم حتى لم يبق أحد منهم، ثم مشى وأنا معه على سبعين بيتًا من الأرامل ثم انصرف، فمشيت معه، فبعث غلامه بدرهم فاشترى خبزًا وزيتًا ثم جئت إلى بابه فرأيت أربعين ضيفًا، جاء إليهم باللحوم والحلوى فسألت غلامه: بالله عليك لمن الخبز والزيت؟ فقال: يطعم ضيفانه اللحم والحلوى، وما رأيته يأكل إلا خعيبًا وزيتًا.
قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ اللَّيْثُ يَرْكَبُ فِي جَمِيْعِ الصَّلَوَاتِ إِلَى الجَامِعِ،
وَيَتَصَدَّقُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى ثَلاَثِ مائَةِ مِسْكِيْنٍ.
حبه لمجالس العلمكان الإمام الليث كثير الاتصال بمجالس العلم،
قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
سَمِعَ من: عَطَاءَ بن أَبِي رَبَاحٍ، وَهِشَام بن عُرْوَة، وَقَتَادَة، وَخَلْق كَثِيْر.
رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ عَجْلاَنَ (شَيْخُهُ)،
وَابْنُ المُبَارَكِ، وَشُعَيْبُ بنُ اللَّيْثِ (وَلَدُهُ).
وكفاه فخرًا أنه شيخ مشايخ البخاري ومسلم.
وروى البخاري عن يونس بن عبد الأعلى عن الإمام الليث بن سعد.
ولليث أسانيد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ منها: عن اللَّيْث عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً، يَسِيْرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مائَةَ سَنَةٍ).
وتواتر أن الشافعي زار الليث بن سعد وأثنى عليه خيرًا وقرأ عنده ختمة،
وقال: (أرجو أن تدوم)، فكان الأمر كذلك.
قال أَشْهَب بن عَبْدِ العَزِيْزِ:
كَانَ اللَّيْثُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةُ مَجَالِسَ يَجْلِسُ فِيْهَا: أَمَّا أَوَّلُهَا، فَيَجلِسُ لِنَائِبَةِ السُّلْطَانِ فِي نَوَائِبِه وَحَوَائِجِه، وَيَجْلِسُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَيَجلِسُ لِلْمَسَائِلِ، يَغشَاهُ النَّاسُ، فَيَسْأَلُوْنَهُ، وَيَجلِسُ لِحَوَائِجِ النَّاسِ، لاَ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ فَيَرُدّهُ، كَبُرَتْ حَاجَتُهُ أَوْ صَغُرَتْ.
زهدهحَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، قَالَ: صَحِبتُ اللَّيْثَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، لاَ يَتَغَدَّى وَلاَ يَتَعَشَّى إِلاَّ مَعَ النَّاسِ، وَكَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلاَّ بِلَحمٍ إِلاَّ أَنْ يَمْرَضَ.
وَكَانَ يُطعِمُ النَّاسَ فِي الشِّتَاءِ الهَرَائِسَ بِعَسَلِ النَّحْلِ وَسَمْنِ البَقَرِ، وَفِي الصَّيْفِ سَوِيْقَ اللَّوْزِ فِي السُّكَّرِ. أما هو فكان يأكل الخعيب والزيت.
ثناء العلماء عليهقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: كَانَ اللَّيْثُ فَقِيْهَ البَدَنِ، عَرَبِيَّ اللِّسَانِ، يُحْسِن القُرْآنَ وَالنَّحْوَ، وَيَحفَظ الحَدِيْثَ وَالشِّعْرَ، حَسَنَ المُذَاكَرَةِ.
فَمَا زَالَ يَذْكُرُ خِصَالاً جَمِيْلَةً، وَيَعْقِدُ بِيَدِهِ، حَتَّى عَقَدَ عَشْرَةً: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
قَالَ العَلاَءُ بنُ كَثِيْرٍ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ سَيِّدُنَا، وَإِمَامُنَا، وَعَالِمُنَا.
قَالَ أَحْمَدُ: لَيْثٌ كَثِيْرُ العِلْمِ، صَحِيْحُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ: اللَّيْثُ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: اسْتَقَلَّ اللَّيْثُ بِالفَتْوَى، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، سَرِيّاً مِنَ الرِّجَالِ، سَخِيّاً، لَهُ ضِيَافَةٌ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ وَالنَّسَائِيُّ: اللَّيْثُ ثِقَةٌ.
من حكمه أَبُو صَالِحٍ: عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: مَا صَلاَحُ بَلَدِكُم؟
قُلْتُ: بِإِجرَاءِ النِّيْلِ، وَبِصَلاَحِ أَمِيْرِهَا، وَمِنْ رَأْسِ العَيْنِ يَأْتِي الكَدَرُ،
فَإِنْ صَفَتِ العَيْنُ، صَفَتِ السَّوَاقِي.
قَالَ: صَدَقتَ.
وفاته مَاتَ اللَّيْثُ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ،
أي قبل وفاة الإمام مالك بأربع سنوات وقيل غير ذلك..
قَالَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الصَّدَفِيُّ: شَهِدتُ جَنَازَةَ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ مَعَ وَالِدِي،
فَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا،
رَأَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُم عَلَيْهِمُ الحُزْن، وَهُمْ يُعَزِّي بَعْضُهُم بَعْضاً، وَيبْكُوْنَ،
فَقُلْتُ: يَا أَبتِ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ صَاحِبُ هَذِهِ الجنَازَةِ.
فَقَالَ: يَابُنَيَّ، لاَ تَرَى مِثْلَهُ أَبَداً.
وفاته كانت في القاهرة ودفن في مقابر "الصدف"
وقيل إن قبره مكان مبارك معروف بإجابة الدعاء.
رحم الله الإمام العالم الجليل الليث بن سعد
الذي وقف على قبره الإمام الشافعي وقال:
لله درّك يا إمام، لقد حزت أربع خصال لم يكملهن عالم:
العلم والعمل والزهد والكرم.
رحم الله الإمام الليث بن سعد وأعلى مقامه ونفعنا به وبعلمه
وهذا مقام الامام الليث بن سعد فى القاهرة
......