السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من اجمل ما قرأت فى تربية الابناء وقررت نقله لكم للامانة والاستفادة
تكلمنا كثيراً عن دور الأم في تربية الأبناء، وفي أحيان كثيرة حملها البعض مسؤولية تغيبها عنهم بسبب خروجها للعمل،
ووجهت إليها أصابع الاتهام بالتقصير والاهمال عند حدوث أي مشكلة من رسوب في الدراسة أو انحراف في السلوك، في حين أغفلنا أهمية تواجد الأب تواجداً فاعلاً، وكأنه منح العذر المحل للغياب الذي يكاد أن يكون متواصلاً بسبب ارتباطه بأكثر من عمل، ليتنحى عن العملية التربوية، وليلقي مسؤولية التربية على الأم وكأنه عمل خاص بالمرأة دون الرجل، لدرجة تقلص دوره وانحصر أحياناً بإصدار الأوامر والتوجيهات أو حتى التهديدات عبر الهاتف من مكان عمله، أو برسالة يوجهها إليهم عن طريق الأم.
فما الآثار المترتبة على غياب الأب؟ وكيف يمكن التعويض وتحويل هذا الغياب الى حضور فاعل في حياة الأبناء؟.
للانفاق فقط!!
لعل ما يبرر غياب كثير من الآباء، الظروف الاقتصادية وكثرة الأعباء والمتطلبات، حيث ينصرف البعض منهم الى ممارسة أكثر من عمل يستهلك الوقت كله، فيخرج باكراً دون أن يرى أولاده أحياناً، ويعود وقد خلدوا الى النوم، تقول نسرين وهي أم لثلاثة أبناء: «يرى زوجي أن التربية مهمة أنثوية بحتة، لذلك ألقى كل مهام الأولاد على كاهلي، حتى عندما يعود وقت الظهيرة، يكون منهكاً لا يستطيع التحدث معهم، ويوم العطلة يقضيه نائماً أو مع أصدقائه، فأنا أشرف على دراستهم وحل مشكلاتهم، في حين يكتفي هو بالانفاق المادي، والسؤال عنهم بين الحين والآخر، وإعطاء التعليمات».
عندما تفلت زمام الأمور
تجاوزات كثيرة يرتكبها الأبناء في ظل غياب سلطة الأب ودوره الرادع، وتجد الأم نفسها أمام ضغوط نفسية شتى، وقد تحكمها عاطفتها، وخوفها عليهم، فتضطر لإخفاء ما يحصل عن الأب، حتى لا تتهم بالفشل بتربيتهم، تقول إيمان وهي أم لولدين: «أبنائي في سن المراهقة، ويصعب علي ضبط تصرفاتهم، وأحياناً تفلت زمام الأمور من يدي، فيتشاجران ويتعاركان، ما يؤدي الى تخريب أثاث البيت، فأسارع لإصلاحه قبل عودة والدهم من السفر، حتى لا يثور عليهما».
تكامل الأدوار
يختلف الاهتمام والمتابعة من أب لآخر، فالبعض وإن تغيبوا طويلاً، ولكنهم يملكون القدرة على التعويض عند الالتقاء بأبنائهم، فيخففون من الآثار السلبية، وذلك نابع من إحساسهم بأهمية دورهم ووجودهم، فيعتبر عبد الله وهو أب لخمسة أبناء، أن قضاء معظم الوقت في العمل، لا يعني أن يكون الأب مشاهداً للعملية التربوية، وغير مشارك فيها، فهو يساهم من خلال النصائح والارشادات، ومتابعة دراستهم وأحوالهم، ويتابع بقوله: «أخصص يوم الجمعة والسبت للأولاد وهذا من حقهم، فأحاول تعويضهم عن غيابي طوال الأسبوع، فأنا أكد وأكدح من أجلهم، والحياة تتطلب المشاركة وتكامل الأدوار بين الأم من خلال رعايتها المستمرة، والأب من خلال تأمين متطلبات الحياة الكريمة».
بالكيف لا بالكم
هذا ما قاله الآباء والأمهات، في حين يرى الاختصاصيون التربويون أن الطفل خلال نموه النفسي يحتاج لنموذج الأب والأم معاً، تماماً كما يحتاج الطائر الى جناحين يطير بهما، فإذا فقد أحد الجناحين قوته أو أصيب أو فقد تماماً، سيفقد توازنه وتقل سرعة طيرانه، ويعجز عن أداء بعض مهامه، كذلك فالطفل يحتاج الى الأب والأم بنفس قوة الاحتياج، ولكن الطريقة والوقت يختلفان، فهو يحتاج الى رعاية الأم ومرافقتها الدائمة له، بينما يكتفي بسويعات قليلة في اليوم يرافقه الأب فيها، ويتلقى منه إشباعاً لاحتياجاته المعنوية والنفسية أكثر منها مادية، لذلك فهو يحتاج للأب بأسلوب وكمية تختلف عن الأم، وكل منهما يكمل الآخر.
مطلوب وجوده كدور اجتماعي
ولعلم النفس رأي بهذا الموضوع، حيث يقول الدكتور نزار عيون السود.. أن التنشئة الاجتماعية ضمن الأسرة تتطلب توافر جميع أعضائها من أب وأم، ووجود الأب ضروري ليس فقط من أجل تأمين الاحتياجات المادية فقط، وإنما من أجل التربية والاعداد السليم للأطفال، طبعاً هناك ظروف استثنائية تتطلب تغيبه عنهم، وبهذه الحالة لا بد أن يستغل فترات تواجده في البيت وتكريس وقته للاهتمام بهم وتفقد شؤونهم ومنحهم الحب والاحساس بوجوده.
أما عن أهمية دوره، يقول د. عيون السود.. يختلف دور الأب عن الأم، فوجوده مطلوب كدور اجتماعي وأسري، فهو يمثل الأمان والحماية، وكذلك الحزم والانطلاق، وتواجده قريباً من أبنائه ضروري للتمييز بين دور الذكر والأنثى، والتماهي مع شخصية الأب، وهذا يحدث تكاملاً لدى الطفل، فيكتسب من الأم الصفات الأنثوية العاطفية، ومن الأب الصفات الذكرية والعقلانية بالاضافة الى كون الأب يمثل القدوة للأبناء والرادع والموجه والمربي، ومركز الضبط الاجتماعي ورمز السلطة والقوة.
وعن إمكانية قيام الأم بالدورين معاً، يقول الاختصاصي هذا يشكل ضغطاً كبيراً على الأم، ما ينععيب على علاقتها بهم، وعلاقتها بالزوج، كما أن نجاحها بتجسيد الدورين معاً على أكمل وجه، حالات نادرة، فالأنثى لا تستطيع القيام بدور الأب. ولغياب الأب فترات طويلة، وتجاهله للدور المطلوب منه، آثار سلبية، وتتبدى من خلال تصرفات الأبناء وسلوكياتهم، فتظهر عليهم العدوانية والشعور بالفقدان والحرمان وهذا يولد العقد النفسية وفقدان الثقة بالنفس.
ووجوده قريباً من أبنائه خلال فترة المراهقة ضروري، من خلال المتابعة والتقرب منهم، ومعرفة مشكلاتهم والمساهمة في حلها، والاطلاع الدائم على ما يحدث أثناء غيابه، حتى لا يفاجأ بالعواقب التي قد تكون أحياناً وخيمة.
وللعامل الثقافي أهمية بهذا الموضوع، فالأب الذي يتحلى بدرجة من الثقافة والوعي يدرك أهمية اشتراكه بالعملية التربوية، ويتفهم متطلبات الطفولة.
وأخيراً..
على الآباء أن يدركوا أن الدور المنوط بهم يتعدى مهمة الإنجاب، وتوفير الغذاء والمتطلبات المادية، الى مهمة التربية الاجتماعية والنفسية بكل ما تعنيه من إحساس بالمسؤولية لبناء شخصية متكاملة ومتوازنة، فالتربية ليست مهمة نسوية كما يراها البعض، بل مسؤولية مشتركة بين الأم والأب..
المحبة للمصطفى صل الله عليه وسلم