بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ محمدأبوخليل
مؤسس الطريقة الخليلية
نسبه ونشأته:ينتهى نسبه الشريف إلى الدوحة النبوية المباركة فهو من أبوين شريفين فوالده ينتهى نسبه إلى سيد الشهداء الإمام أبى عبد الله الحسين وينتهى نسب والدته إلى الإمام الحسن رضى الله عنهما.
وقد ولد فى قرية القضابة شمال الدلتا بجمهورية مصر العربية وانتقل مع والده إلى مدينة الزقازيق واستوطن معه فى أحد أحيائها المسمى بكفر النحال حيث يوجد الآن قبره الشريف بمسجده المسمى باسمه.
وقد نشأ محبا للطاعة فقد كان يصلى ويصوم وهو صغير لم يتجاوز السابعة من عمره ، وحفظ القرآن الكريم دون أن يتعلم الكتابة والقراءة ، ولعل إرادة السماء كانت تحدوه فى ذلك منذ نشأته لتعده لرسالته التى هيأته لها الأقدار لتكون أميته دليلا على ولايته حين كانت تتفجر ينابيع الحكمة من قلبه وينطق لسانه بكل عجيب من العلم ومعجز من البيان فسبحان الله وتعالى جلت قدرته علم الإنسان ما لم يعلم.
ولما توفى والده احترف تجارة الحبوب ، وقد غرست التجارة فى نفسه منذ البداية التوكل الحق على الله سبحانه وتعالي.
تصوفه:
أقبل أبو خليل على عبادة ربه بصدق وبعزم وتطلعت نفسه التى طوعها لحب الخير وفعله ابتغاء مرضاة الله تعالى إلى شيخ عارف بربه كى يوجهه إلى الغاية المثلى لمعرفة الحق سبحانه وتعالى فهداه جلت قدرته إلى أحد أتباع الإمام العارف بالله سيدى على البيومى الذى بايعه على عبادة الله وتقواه فجد واجتهد فى عبادة ربه وأقبل على ذكر الله تعالى بكل جارحة فيه واتخذ من صلاته وتسبيحاته وقيامه الليل فى عبادة ربه ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ، اتخذ من كل ذلك معراجا للصعود الروحى إلى خالقه لا تشغله شاغلة من عمل أو تقف دون تطلعاته الدينية هاجس نفس أو يقعد به عن السعى فى الأرض مزيد من تعبداته وخلواته الدينية ، فقد تولاه الله ورعاه بخير ما يرعى به الصالحين من عباده فالله وحده وجهته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حبيبه وقدوته، وشيخه بإرشاداته وتوجيهاته رائده وإمامه، وذكر الله تعالى ورده ومنهاجه وشريعة الحق سبحانه ميزان فعله وقوله، ولقد كان زهده وورعه وتفانيه فى ذكر الله تعالى ركائز صاغ منها أبو خليل شخصيته الفذة وحياته الطاهرة الصادقة ينشد فى عبادته الحقيقة فى مشرقها مؤمنا بإحساس صادق بأنه خلق لها.
ولا غرو أن يصبح أبو خليل عند أستاذه المريد الأول بما ناله من عطايا عاليات وسمو فى الدرجات ، حتى إذا ما تخلف ذات ليلة على غير إرادة منه عن " حضرة الذكر " التى كان يقيمها شيخه للتابعين له ، لم يستطع الشيخ أن يعاقبه بمثل ما كان يعاقب به أيا من زملائه إذا ما تخلف عنها فقد أدارعلى ظهره مسبحته فلم تحدث أى ألم له على غير ما كان عليه الحال فى كل مرة مع غيره ، فأيقن الشيخ أنه أمام مريد فتحت له السماء أبوابها وانهالت عليه آلاؤها وبركاتها وحدثه قلبه بأنه سوف يكون من أتباع هذا المريد ، وقد صدق فيما بعد حديث قلبه وصار الشيخ من أتباع أبى خليل.
أبو خليل في معتزله:اعتزل أبو خليل الخلق وانصرف عن شئون الحياة الدنيا وأقام فى مكان يلفه الصمت ويغشاه السكون إلى جانب ضريح أحد الأولياء المشهورين بكفر النحال ، بعيدا عن الناس وما يعملون.
والاعتزال فى حياة الأولياء مرحلة من مراحل النضج الروحى لا يفرضها الولى على نفسه ولا يدبر لها أمرا، ولكنها مرحلة تفرض شئونها عليه ، فلا يرى غير الحق سبحانه وتعالى أنيسا له وجليسا، فيعيش الولى مستغرقا فى تأملاته سابحا فى تفكيره فى ملكوت السموات والأرض متفرغا لذكر الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى آناء الليل وأطراف النهار، ليمتلىء قلبه من آيات ربه الكبرى إيمانا وتقوى ويقينا وتستوعب روحه شحنة النور المحمدي التى سوف تضئ بها الطريق للذين تنكبوا السير أو ضلوا سواء السبيل، وليتعلم الحكمة إلهاما من علوم الحق اللدنية بما يؤهله لمجابهة المعترضين والملحدين الضالين.
وهكذا سبع سنوات قضاها أبو خليل فى معتزله ، لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى كيف انطوت أيامها عليه ولا كيف انقضت لياليها من حوله ، فلقد أمسك أبو خليل عن الحديث عن حياته فى معتزله إلا عن النذر اليسير الذى لا ينهض أن يرسم أمامنا حياة ، أو يحدد لنا وقائع أو يصور لنا معالم وليس لنا أن نقول إلا أن الحق تبارك وتعالى قد تولى هذا الشيخ فى معتزله بخير ما يتولى به الصالحين من عباده.
والاعتزال نشهده كذلك فى حياة الأنبياء ، فيحدثنا الكتاب الحكيم عن أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام وهو يقف أمام والده مودعا إياه فى رفق وفى أدب قائلا سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحنث فى غار حراء قبل أن تشرق شمس رسالته فالعزلة والاعتكاف والهجرة والاغتراب فى حياة الأنبياء تكاد تكون قدرا مشتركا بينهم ، مرحلة أساسية فى إعدادهم لرسالة السماء.
ظهور أبي خليل:لما نضج عود أبى خليل فى معتزله وطابت ثماره، شاء الله له أن يخرج من معتزله ، وما كان طوع إرادته فى الأولى ولا فى الآخرة ولكنها إرادة الحق سبحانه تتمثل فى إحساس صادق فى نفسه وجهه إلى الاعتزال وإحساس آخر وجهه إلى الخروج من معتزله وكان ذلك فى أوائل القرن الرابع عشر الهجري.
ظهر أبو خليل يحمل بين يديه كتاب الله سبحانه شريعة إسلامية صادقة قويمة مبادئها تخرج الناس من الظلمات إلى النور.
وكأنى به رضى الله عنه وقد أرسل صيحة مدوية فى آذان الكون ربانية فى أهدافها صوفية فى موضوعها اهتزت لها النفوس واطمأنت بها القلوب ، كأنى به حينذاك يرسل من أسرار الحق سبحانه اشعاعات تصل إلى شغاف القلوب تجذبها إلى الله سبحانه لتشاهد من آياته الكبرى معبرة عن أهدافها أن اعبدوا الله واتقوه فأقبل عليه الناس من كل حدب ينسلون يهرعون إليه من كل صوب جماعات ووحدانا كما يقبل الطير الظامىء على مواقع القطر والندى وكان لأبى خليل ندوات علمية وحضرات دينية اختار لها الليل موعدا لينصرف الناس فى نهارهم إلى شئون دنياهم وكان يذكر فى هذه المجالس الدينية اسم الله كثيرا قياما وقعودا وتتلى فيها آيات الله والحكمة فما يكاد من أقبل على أبى خليل ينخرط فى مناهج طريقته إلى الله سبحانه حتى يمتلىء قلبه خشية وخضوعا وتنهال عليه بركات من السماء فى تلك المجالس الربانية التى تحفها الملائكة ويذكر الحق تبارك وتعالى ذاكريه فيها فى ملإ خير منها.
وآخرون من دونهم كأنما عز عليهم أن يتبوأ عرش العلوم اللدنية عبد من عباد الله آتاه الله من لدنه علما وحكمة ولم تؤته الدنيا أى حظ من علومها الدنيوية فلا هو قد خط بيمينه كتابا ولا هو قد قرأه، سارع هؤلاء إلى أبى خليل وقد امتلأت عقولهم بشتى الأسئلة وازدحمت فيها مشكلات مستعصيات من مختلف العلوم وظنوا أنهم بذلك سوف يقهرون هذا الأمى الذي كانوا يقولون إنه قد اجترأ على ما ليس يحق له ولا هو من أهله "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاكذبا".
وما أن وصلوا إليه يحاجونه حتى قهرهم سلطان العلم الربانى فآمنوا بقدرة الله رب العالمين معتقدين بأن حصيلتهم من الكنوز العلمية التى كانوا يحسبون أنهم يملكونها لا تعدو القشور والأصداف ومدوا إليه أيديهم يبايعونه على تقوى الله وطاعته ويد الله فوق أيديهم ولك أن تتصور هذا الشيخ وقد أحاطت به الجموع الحاشدة ممن استجابوا لدعوته تغشاهم أسراره وتغمرهم أنواره عيبحابة ممطرة فى أرض مجدبة يتطلع أهلها إليها لتروى ظمأهم وتخصب أرضهم وتنبت زرعهم فالحق أنه كان هبة من السماء تمتلىء بالرحمة وبالعطاء والله ذو الفضل العظيم.
الشيخ أبو خليل صاحب الفتوحات الربانية:بعد عهد من العيباد العلمى فى عصر المماليك بدأت مصر تشق طريقها إلى نهضة علمية شاملة تلتمس روافدها فى الجامعات الأجنبية فتبتعث الطلاب اليها ليتعلموا منها كل جديد من العلم لم تكن قد أشرقت شمسه بعد فى بلادنا وليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم فظهرت نهضة ملحوظة فى إحياء التراث العلمى وقامت مدرسة الشعر العربى تعيد للشعر أمجاده الأولى وتطلق الخيال خصبا فى شتى مجالاته وفنونه، وكان للغات الأجنبية حظها الوافر فهى لغة المستعمر وقتذاك الذى أراد لها أن تسود ليكون فى ذلك عون له على نشر ثقافته وإنجاح تخطيطاته.